في أعقاب نشر كلمتي التي القيت في الكونجرس: معضلة القضية القبطية.. التحديات والآفاق، في جريدة إيلاف الغراء، ضمن فعاليات المؤتمر الدولي الثاني لمنظمة quot; كوبتك سوليدرتي quot; يومي 8و9 يوليو الماضي بواشنطن، فوجئت وأنا أقلب علي شبكة الانترنت واتصفح بريدي الالكتروني بأنني quot; عضو quot; ndash; دون أن أعلم أو استشر ndash; في quot; هيئة الاقباط العامة quot;، وهي تختلف تماما في توجهها وأهدافها وآلياتها عن quot; كوبتك سوليدرتي quot; التي أشرف بالانتماء إليها بل وأترأسها في مصر.
كما فوجئت بترشيحي ضمن عشرة شخصيات قبطية من قبل quot; هيئة الأقباط العامة quot;، ليختار منهم المجلس العسكري ورئيس الوزراء في مصر، من يرونه مناسبا للمشاركة في الهيئة التأسيسية التى ستتولى وضع الدستور المصري الجديد. إلي هنا والأمر يبدو وكأنه نوع من حسن الظن بشخصي المتواضع (وهذا غير صحيح)، فضلا عن أن الموقف لا يحتمل أكثر من اصدار بيان مقتضب يكذب أو يستنكر ورود اسمي دون استأذاني وعلي غير رغبتي.
لكن ما حدث الأسبوع الماضي يستلزم الحسم والرفض والاستنكار (بالصوت الحياني)، لأنه يتعارض تماما مع مبادئ وأهداف أي وطني ليبرالي غيور حريص علي مستقبل مصر والمنطقة، وبينما كنت أهاجم في كلمتي في الكونجرس موقف الإدارة الأمريكية - كما جاء علي لسان وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون من فتح قنوات للحوار مع جماعة الأخوان المسلمين، ألتقي بعض أعضاء quot; هيئة الأقباط العامة quot; الأخوان المسلمين أكثر من مرة واصدروا بيانات مشتركة، وهو ما أستفز الأعضاء الآخرين بالهيئة فأصدروا بيانا يستنكر هذا التوجه ويرفضه شكلا ومضمونا.
ما أؤمن به وكتبته مرارا وتكرارا قبل وبعد ثورة 25 يناير 2011 هو: quot; أن الاقباط هم الكتلة المدنية الأكبر والنواة الصلبة التي يمكن أن تلتف حولها القوي المدنية الأخري، كالليبراليين واليساريين والمسلمين المعتدلين واللادينيين وغيرهم، ممن عانوا من الفاشية الدينية والاستبداد السياسي، بالإضافة إلي معظم مسيحي الشرق وسائر الأقليات الأخري في المنطقة، ناهيك عن أن تمسك الأقباط بالدولة المدنية، هو الكفيل وحده بتغيير وجه المنطقة ووضع معظم الأقليات الأخري بإتجاه المواطنة الديمقراطية الليبرالية.
حسب معلوماتي فإن اللقاء بين بعض أعضاء quot; هيئة الأقباط العامة quot; والأخوان المسلمين، جاء في أعقاب رفض البابا شنودة الثالث (الرأس الأعلي للكنيسة القبطية الأرسوذكسية) دعوة المرشد العام للأخوان المسلمين لمقابلته، وهو ما يثير تساؤلات كثيرة حول من الذي ضغط (رسميا وأمنيا) لأحراج (كبير القبط) واظهار الأقباط أمام العالم وكأنهم مؤيدون للدولة الدينية ولمرشحي الأخوان المسلمين في الانتخابات القادمة.
هناك مخاوف حقيقية من الإخوان المسلمين وهي لم ولن تتغير بعد ثورة 25 يناير، أولها أن خطاب الأخوان quot; مراوغ quot;، يظهر عكس ما يبطن، فهم يدعون أنهم مع quot; الدولة المدنية quot; وليس quot; الدولة الدينية quot;، وحين تفتش في أدبياتهم أو تناقشهم، تكتشف أن مفهوم الدولة المدنية عندهم هو: الدولة التي لا يحكمها رجال دين، أما أن يحكم quot; الدين quot; الدولة، باسم تطبيق الشريعة فتلك مسألة أخري. أن الدين لا يحكم وإنما البشر هم الذين يحكمون، وعندما يحكم الأخوان المسلمين باسم الدين، فإنهم يكونون رجال دين حتي ولو ارتدوا البدلة الأسموكن.
ثاني هذه المخاوف أن الأخوان المسلمين ضد quot; المواطنة quot;، باعتبارها أساس للدولة المدنية الحديثة، وهم يستبدلون قاعدة أخري بالمواطنة، تقول: أن العلاقة مع ndash; الأقباط ndash; تقوم علي مبدأ quot; لهم ما لنا وعليهم ما علينا quot;، أي أنهم يقررون وحدهم مايرونه أولا، ثم يعممون بعد ذلك ما يرونه علي أساس قاعدة المساواة القائلة (المساواة في الظلم عدل)، وبالقطع فإن هذه القاعدة لن تعطي الأقباط أو المرأة المساواة الكاملة، كما هو الحال في المواطنة الديمقراطية، وهو ما حدث مؤخرا (وبالحرف الواحد) في اختيار رئيس الوزراء عصام شرف للمحافظين الجدد في مصر، حيث لم يتم انتخاب أي محافظ قبطي أو أمراة لشغل هذا المنصب.
ان مصدر تهديد الدولة المدنية في مصر، هو: استغلال الدين في العمل السياسي، للوصول إلي الحكم، مثلما هو الحال الآن مع جماعة الإخوان المسلمين، واستغلال النظام السياسي (العسكري) للدين لترسيخ السلطة اليوم، وفي هذا الإطار فإن موقف البابا شنودة الثالث الأخير من الأخوان المسلمين كان أكثر وعيا سياسيا بالمخاطر المحدقة التي تهدد مصر والمنطقة من بعض الأقباط العلمانيين المسيسيين الذين لن يفلتوا من محكمة التاريخ، حيث تتم الآن quot; تغيير المعادلة الاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط quot; بظهور أنظمة اسلامية في العالم العربي ndash; ويا للمفارقة ndash; برعاية quot; ايرانية quot; !
[email protected]
- آخر تحديث :
التعليقات