قبل ساعات أعلن جون كيرى رئيس لجنة العلاقات الخارجية بالكونجرس، فى تصريحات خاصة لقناة quot;سى إن إنquot;، أن السلطات الأمريكية جمدت 31 مليار دولار من أرصدة الرئيس المخلوع محمد حسنى مبارك بناءً على طلب السلطات المصرية. وقبل أيام طرح كيري quot; مشروع قانون quot; يقضى بإنشاء صندوق لتقديم مساعدة اقتصادية عاجلة لمصر، وفكرته الأساسية: أن أمام الولايات المتحدة فرصة تاريخية لمساعدة مصر، من خلال quot; دعم الاستقرار الاقتصادي quot;، حيث تبلغ قيمة الصندوق بين 50 و60 مليون دولار، على غرار برنامج المعونة الأمريكي الناجح للاتحاد السوفييتي السابق ودول أوروبا الشرقية بعد سقوط حائط برلين في أوائل التسعينيات من القرن الماضي.
quot; جون كيري quot; هو الأب الروحي للرئيس الأمريكي quot; باراك أوباما quot; في سياسته الخارجية، وأحد رموز المصداقية الأمريكية في التعامل مع العالم الخارجي، وهو يسيرعلي نفس الخط الذي أتبعه كبار الرؤساء الأميركان من أصل ديمقراطي. وهم quot;ولسونquot; و quot;روزفلتquot; في فترة الحربين، ثم quot;ترومانquot; و quot;كينديquot; بعد الحرب العالمية الثانية. الذين آمنوا بأن قوة أميركا لا تأتي من عزلتها الدولية وإنما من انفتاحها، ودعمها لقيم الحرية والديمقراطية في العالم.
الأهم من ذلك أنه يستعيد الدور التاريخي الذي قام به quot; جورج مارشال quot; عام 1947 فيما عرف ب quot; مشروع مارشال quot;، وهذا المشروع الاقتصادي العظيم في جوهره كان حربا من أجل العقول. حيث كانت الشيوعية هى الأيديولوجية المعادية بعد الحرب العالمية الثانية، ونحن الآن في الجولة الثانية من هذه الحرب من أجل العقول ( وهي الأخطر ) حيث الأصولية الدينية المقترنة بالاستبداد السياسي في الشرق الأوسط الكبير، ومثلما كان هدف مشروع مارشال هو quot;تجفيف المستنقعاتquot; التى كانت الشيوعية تستمد منها الدعم، يري أن علي أمريكا والعالم اليوم quot;تجفيف المستنقعاتquot; التى التي يترعرع فيها الاستبداد السياسي الإرهاب الدولى.
السيناتور جون كيري هو المرشح الديموقراطي الأسبق، الذي خسر انتخابات الرئاسة الأمريكية عام 2004، أمام منافسه الجمهوري quot;جورج دبليو بوشquot; وقتئذ. أجمل فلسفته السياسية في كتاب صدر عام 2003 بعنوان: نداء (الواجب): رؤيتي من أجل أمريكا أفضل، عن دار فايكنج- نيويورك، جاء فيه: quot;لا توجد أنظمة ديمقراطية في العالم العربي من اقصاه الى اقصاه، ومعظم الدول تخضع لأنظمة متشددة أو قسرية الطابع. فضلا عن الفقر، والجهل، والأمية، فنسبة الأمية مرتفعة جدا في العالم العربي وبخاصة في أوساط النساء اللواتي لا يساهمن إلا قليلا في الحياة العامة، وبالطبع هناك بلدان أفضل من أخرى في هذا المجال ولكن النسبة العامة لا تزال ضعيفة.
أما برامج التعليم الدراسية فلا تزال متخلفة ومليئة بالأفكار العنصرية أو الطائفية التي تكره أبناء الديانات الأخرى كرها شديدا. وبالتالي فيلزمها تغيير وتجديد لكي تنفتح على العصر والحداثة ولكي تعترف بوجود ثقافات وأديان أخرى في هذا العالم بالإضافة إلى الثقافة العربية الإسلامية. فالعالم يتسع لجميع الأديان والثقافات إذا ما وسعنا عقولنا جيدا وفهمنا الدين على حقيقته: أي كمصدر للتعايش والتآخي بين البشرquot;.
ويربط كيري بين غياب الديمقراطية العربية وبين العامل الإقتصادي فيرى أن تخلف العالمين العربي والاسلامي من هذه الناحية ساهم أيضا في تشجيع قوى التطرف والتشدد. فالعالم الإسلامي الذي يصل تعداد سكانه حاليا الى أكثر من مليار نسمة أي ربع سكان الكرة الأرضية تقريبا، لا يمثل في الاقتصاد العالمي اكثر من 4% وهذا شيء غير مقبول وغير معقول. فشرائح البؤس والفقر منتشرة في النطاق الإسلامي أكثر من أي نطاق. لهذا السبب فلا ينبغي ان يدهشنا نمو حركات التطرف، فالتطرف لا يتزايد ولا ينتشر إلا في ظل الأزمات الاقتصادية وانسداد الآفاق. وهذا ما حصل في ألمانيا النازية أثناء صعود هتلر الى سدة السلطة. فلولا الفقر والجوع والبطالة لما استطاع شخص كهتلر أن يصل الى القمة.
مجلة التايم الأمريكية في عددها الأخير أيدت أطروحات كيري، ورأت أن تطبيق الديمقراطية فى مصر من شأنه أن يؤدى إلى خسارة المتطرفين الإسلاميين، بل والحد من شعبية جماعة الإخوان المسلمين.
الإسلام المتطرف لن ينتصر إلا إذا استمر القمع، لكن مع وجود الديمقراطية وانتشار التعددية، لن يكون هناك مجتمع يسيطر عليه فصيل واحد أو جماعة دينية واحدة. بل سيكون هناك مجتمع متوازن تُمثل فيه كل الاتجاهات الفكرية تمثيلاً كافياً.

[email protected]