التقرير الصادر عن مؤسسة كارينجي للسلام العالمي، قبل أيام، بعنوان quot;إيران.. رؤية من موسكوquot; للباحثين ديمتري ترنين والكسي مالاشينكو، أشار إلي: أن بروز إيران كقوة صاعدة، سيزيد من توتر العلاقات مع روسيا، التي يفترض كثير من المراقبين من خارج البلدين، أن العلاقات الاقتصادية والعسكرية بينهما (وثيقة)، بينما هذه العلاقات معقدة للغاية. موسكو تشعر بالقلق المتزايد من طموحات إيران النووية في المنطقة، والتي تتجاوز بحر قزوين والقوقاز ووسط آسيا... روسيا في النهاية: لا تريد منافسا إقليميا لها في المنطقة.

لكن هذا التقرير لا ينبغي أن يقرأ بعين واحدة، وكأننا أشبه بتمثال quot;بوليفيميوسquot;، بالتركيز علي quot;إيرانquot; وحدها، لأنه يتجاوزها بالفعل ويمهد الطريق أمام مرحلة جديدة قادمة ستتغير معها توازنات منطقة الشرق الأوسط، يبدو معها وكأن الملف الإيراني قد أصبح شأنا روسيا خالصا، حيث ستلعب روسيا دورا إقليميا وعالميا بارزا في المستقبل القريب، يعيد ترتيب أوضاع المنطقة من جديد، ويسهل انسحاب القوات الأمريكية وقوات التحالف بسهولة من أفغانستان، وأشياء أخري عديدة ستتكشف تباعا.

روسيا لم تكترث كثيرا بالرد علي اتهامات الرئيس الإيراني أحمدي نجاد الأخيرة، حيث قال للتليفزيون الرسمي الإيراني: quot; روسيا باعتنا لأعدائنا quot; حين ألغت في 22 سبتمبر الماضي صفقة توريد صواريخ quot; أس ndash; 300 quot; لإيران. المفارقة هنا تمثلت في الرد الذي جاء علي لسان فيليب غوردون مساعد وزيرة الخارجية الامريكية لشؤون أوروبا وآسيا، فقد صرح بأن امتناع روسيا عن توريد صواريخ quot;أس ndash; 300quot; الى طهران ليس هدية لواشنطن، وإنما يصب في مصلحة موسكو نفسها.

كيف؟

روسيا ستحضر بعد أيام قليلة قمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) في العاصمة البرتغالية لشبونة يومي 19 و20 نوفمبر الجاري، وحسب صحيفة quot;نيزافيسيمايا غازيتاquot; الروسية، من المفترض توقيع عدة اتفاقيات (ووثائق) مهمة تدل علي التقارب بين موسكو وبروكسل بشأن العديد من القضايا الجيوسياسية، منها شحنات الأسلحة والحوامات الروسية إلى أفغانستان والعمل المشترك في مكافحة خطر المخدرات القادم عبر الحدود الأفغانية إلي آسيا الوسطى وروسيا، بل وأوروبا أيضا.

الاتفاقيات ستشمل للمرة الأولي ما يعرف بـquot;الترانزيت المعاكسquot; أي تمكين دول التحالف الغربي من سحب تجهيزاتها ومعداتها العسكرية وقواتها عبر أجواء وأراضي روسيا لا عن طريق باكستان المحفوف بالمخاطر. ويؤكد الخبراء ndash; حسب الصحيفة الروسية - ان هذا الاتفاق سيعود على الاقتصاد الروسي بأموال طائلة بالدولار واليورو، فضلا عن استمرار روسيا والناتو في تعزيز تعاونهما لحل كافة المشكلات المتعلقة بمكافحة الإرهاب الدولي، وانتشار المخدرات وتكنولوجيا الصواريخ والهجرة غير الشرعية.

النقاش السائد داخل الولايات المتحدة الآن يدور حول مستقبل العلاقات مع ( روسيا )، ومحاولة توحيد جهود الجميع في قارة آسيا للقضاء علي الإرهاب المتمركز في باكستان وأفغانستان، رغم أن الصراعات تنخر في جدران الجميع وهو ما كشفت عنه زيارة الرئيس أوباما قبل أيام لدول آسيا، إذ أن الحدود الصينية الهندية ومشكلتها ستبقي مادامت جبال الهملايا في مكانها، والعلاقات بين البلدين تشمل مشاكل حدودية موجودة في كثير من الدول كما هو الحال بين روسيا واليابان وكذلك بين اليابان والصين. وهو تعادل عادلا للجميع.

الإغراءات الأمريكية والغربية لروسيا لن تتوقف في المستقبل، بل أن مساعدة روسيا علي استعادة قوتها الإقليمية الضاربة مطلب غربي بإمتياز، وأصبح الكل علي يقين من ضرورة تكثيف جهود إشراك موسكو في المعضلة الأفغانية، وتنفيذ عمليات عسكرية مشتركة مع الروس لإعادة الاستقرار هناك، أملا في أن تحل روسيا مستقبلا في أفغانستان محل قوات الولايات المتحدة ودول التحالف، وهكذا تدور الدوائر ويظهر مكر التاريخ من جديد.

صحيفة quot;نيزافيسيمايا غازيتاquot; الروسية أكدت علي أن موسكو لا ترى ما يبرر إرسال قواتها للعب هذا الدور، فتقديم المعونة لقوات التحالف خارج ذلك البلد أمر مقبول. أما تعريض الجنود الروس لرصاص تنظيم القاعدة وحركة طالبان فلا يجوز أبدا، خاصة وان الجنرالات الروس كانوا قد حذروا زملاءهم في الناتو من مغبة شن هذه الحرب لكن تحذيراتهم تلك لم تلق آذانا صاغية.

في تصوري أن روسيا ستزداد تمنعا ومراوغة حتي تحصل علي ما تريد بالكامل، لأنها تعلم علم اليقين بحكم خبراتها التاريخية والعسكرية والجيوسياسية، صعوبة تحقيق أي نصر عسكري حاسم للولايات المتحدة وقوات التحالف في أفغانستان، كما أنها تدرك في الوقت نفسه عمق الأزمة الاقتصادية وتأثيرها داخل الولايات المتحدة وخارجها.

حسب أحدث التقارير الرسمية الأمريكية فقد أعدت إدارَة أوباما خطةً محكمةً لتقليص العجز في الميزانية حتى عام 2020 بمقدار 3 ملياراتٍ و800ِ مليون دولار، منها تقليصُ النفقات العسكرية الدفاعيةِ بنحو مليار ِدولار، وتسريحُ 10 % من الموظفين الحكوميين، وهو ما سيؤدي حتما إلي إضعاف سيطرة واشنطن السياسية في مناطق كثيرة من العالم.