quot;العالم ينتقل إلى نمط جديد يتسم بالمواجهة بين الحضارات الاثنو- ثقافية التقليدية والجهات المالية العابرة للقوميات، بحيث تغدو مكونات هذين الفريقين العناصر الفاعلة في المجريات العالمية. وهذا يعني نظاما عالميا جديدا لن تلعب فيه الدول أدوارها السابقة. أما quot;الغسيل القذرquot; الذي نشرته quot;ويكيليكسquot; فهو محاولة لزرع الشقاق بين الدول ومنعها من التكاتف.quot; (الجنرال ليونيد إيفاشوف)

(1)

في عام 2002 ظهر كتاب ( نهاية الدولة القومية ) لمؤلفه تيري والتون - Wolton، نعي فيه نهاية الدولة بالمفهوم الحديث، فقد أستنفدت وظيفتها تمامًا، وهي لم تكن على الدوام وظيفة مشرفة، فقد نشأت نتيجة لحرب الثلاثين عامًا (1618 - 1648)، واستمرت في حروبها لمدة ما يزيد على الثلاثة قرون، واستخدمت quot; القمع quot; ضد مواطنيها تحت ذريعة quot; السيادة quot;، وأفرغت الديموقراطية من مضمونها وطاقتها، وآن الأوان لكي ترحل.
ومع بداية عصر العولمة وما بعد الحداثة، لم يعد ثمة وجود لاقتصاد قومي محض، ولا ثقافة قومية خالصة أو قانون قومي أو إعلام قومي hellip; إلخ، وحدها مازالت تحتفظ بطابعها القومي laquo;السلطة السياسية الفاعلة في إطار الدولة القوميةraquo;، ولابد أن تخلي مكانها، فأية شركة من الشركات العابرة للقوميات تتحكم اليوم برقم أعمال يزيد على الناتج القومي لدولة صغيرة مثل laquo;الدنماركraquo;.
هذا من ناحية، من ناحية أخري ظهرت مجموعة من الكتابات السياسية تؤكد بأن quot; العولمة السياسة quot; في الألفية الثالثة هي فوقية laquo;الشرعية الدوليةraquo;، مما يتطلب إعادة تعريف quot; سيادة الدولة quot; بواسطة قوى العولمة، ليصبح مفهوم الدولة هو تعبير عن الإرادة الجماعية لسكان أي إقليم، لأن وحدة التكوين في العولمة Globolization هي laquo;الكوكبraquo; - Globe.
من ناحية ثالثة بدأت مراكز الأبحاث في الولايات المتحدة علي وجه الخصوص، تردد أننا نعيش بالفعل عصر quot; الهويات quot; والأصوليات، والعودة إلي ما قبل الإنتماء الوطني، وإن كان قد تبلور هذا الطرح عام 1979 مع quot; هنري كيسنجر quot; مستشار الأمن القومي الأمريكي، ووزير الخارجية الأشهر في مرحلة الحرب الباردة. وعقب أحداث سبتمبر 2001، كتب كيسنجر مقالين متتاليين في مجلة شؤون خارجية الأمريكية، نعي فيهما موت معاهدة ويست فاليا عامrlm;1648، مؤكدا علي أن العالم دخل مرحلة جديدة بظهور التنظيمات المستقلة عن الدولة والقادرة علي تهديد الأمن المحلي والعالميrlm;، مما يعني تآكل مفهوم الدولة بالمعني التقليديrlm;,rlm; ونهاية التصور القديم لمفهوم السيادة الوطنيةrlm;.rlm;

(2)

quot; لن تعتمد عملية التدمير من الآن فصاعدا علي الدولة وإنما علي منظمات أو شبكات غير معروفة العنوان أو الهوية أولها حتي مركز واحد لصناعة القرارrlm;.rlm; لقد قام التنظيم الدوليrlm;,rlm; والعلاقات الدولية كلها علي أساس من أن وحدتها الأساسية هي الدولة التي هي تنظيم اجتماعي يمكن التأثير فيه من خلال عملية الردع التي تبني الدولة من أجله أجهزتها الدفاعية فتشعر الأطراف الأخري ان هناك ثمنا فادحا لمحاولات العدوانrlm;.rlm;
ولكن أحداث الحادي عشر من سبتمبر وماتلاها من أعمال أرهابية لا تشير الي ان الولايات المتحدة والعالم تواجه دولة يمكن ردعها أو تخويفها أو التأثير بوسائل شتي للتوفيق والاغراء والضغط في مركز صنع قرارهاrlm;,rlm; وانما تجري المواجهة مع شبكات عنكبوتية تدور حول فكرة غير قابلة للألم أو العقاب أو الحرمانrlm;,rlm; وهي مثل وحش خرافي قادم من عصور سحيقة ليست له حدود أو آفاق يمكن اختراقها أو الالتفاف حولهاrlm;,rlm; وهو مايؤكد أننا أمام علاقات جديدة لاتزال في طور الاكتشافrlm;.rlm;
إن تنظيم القاعدةrlm;,، وكثيرا من القواعد الأخري للإرهاب بأشكالها المتعددة الأصولية والايديولوجية غير المتقيدة بحدود الدولة ونظمها بل وقابليتها للتأثيرrlm;، بات هو النموذج لطرف جديد في العلاقات الدولية rlm;هذا الطرف الجديد له قواعده الخاصة في العملrlm;، rlm;وهوليس قابلا للردعquot;
هذه الفكرة التي عالجها ببراعة الدكتور عبدالمنعم سعيد في كتابه المهم quot;العالم علي حافة الهاويةrlm;quot; عام 2002، توصل إليها البروفسور فرانسوا هايزبور والباحثون الفرنسيون في مؤسسة البحث الاستراتيجي في باريس، حيث صدر كتاب تحت عنوان ( فرط الإرهاب: الحرب الجديدة ) في نفس العام 2002، تمحورت أبحاثه حول هذا السؤال الجوهري:
هل نشهد الآن حرباً دينية كحرب الثلاثين عاما الدينية التي شهدتها أوروبا في القرن السابع عشر، أم أننا نشهد حرباً طويلة الأمد لها ائتلاف دولي متغير وذو مستويات تضامنية مختلفة، فضلا عن دور القوة المالية والطبيعة غير الدولية لبعض الفاعلين؟

(3)


تحت عنوان quot;من يضخم قضية ويكيليكسquot; ولماذا؟ نشرت مجلة quot;إيتوغيquot; الروسية نص مقابلة مع رئيس أكاديمية القضايا الجيوسياسية الجنرال المتقاعد ليونيد إيفاشوف جاء فيها: إن تحليل ما ينشره الموقع يؤكد أن العملية كلها هي محاولة من قبل محافل عابرة للقوميات، وبالدرجة الأولى شركات مالية دولية، للحط من دور الدولة في النظام العالمي القائم، وتسطيح مكانتها إلى حد جعلها تحت السيطرة التامة.
وهذه المحافل العابرة للقوميات تسيطر على 80% من الموارد المالية العالمية كحد أدنى، وتتعطش إلى التحكم بالعالم أجمع. إن الولايات المتحدة الأمريكية اليوم دولة خاضعة كغيرها من الدول، وquot;ويكيليكسquot; جزء لا يتجزأ من عملية جيوسياسية عولمية ينجم عنها انتقال مركز القوة من الدول إلى الشركات العابرة للقوميات.
الجنرال إيفاشوف يؤكد أن هذه العملية لن تنتهي بما قام بها موقع quot;ويكيليكسquot;، والساسة الذين تعرضوا لحملات التشهير اليوم سيتصرفون بحذر، وسيتجنبون التصريحات الحادة، وسيدركون بالتأكيد أنهم باتوا في تبعية لا لموقع الكتروني، وإنما لبنية أشد جبروتا بكثير. وعلى مرأى من الجميع يتصاعد الصدام بين الدول، وبين الحضارات سواء بسواء.
ان الجهة التي تقف وراء quot; ويكيليكسquot; تضم حسب بعض التقديرات 16 مركز ماليا عالميا وأكثر من ألف بنك متعدد الجنسيات؛ وتحت تصرفها طاقات تحليلية جبارة، تتنبأ باتجاهات تطور الأحداث، وفي الوقت نفسه لا تزدري أساليب التشهير العادية.
أما البديل عن هيمنة المحافل المالية العابرة للقوميات فهو المتحدات الاجتماعية - السياسية الجديدة. ونلاحظ اليوم أن أوروبا تحاول التصدي للمحافل المذكورة عبر إقامة دولة موحدة. ونرى كيف تكاتفت الصين والهند ردا على تلك التحديات، وما تؤدي إليه العمليات الجارية ما بين الحضارات من قيام بنى جديدة كمنظمة شانغهاي للتعاون، أو مجموعة دول بريك (البرازيل وروسيا والهند والصين)، ناهيك عن الخطوات الرامية إلى توحيد العالم الإسلامي. والمهمة الآن تتلخص- حسب إيفاشوف - بمنع تعزيز قوة المنافس الرئيس الذي قد يتمكن بمرور الوقت من تدمير النظام العالمي الحالي.

[email protected]