إيلاف من بيروت: ما بين مؤيد بشدة ومعارض بقوة، يتواصل الجدل حول التعديلات التي أدخلها النظام السوري الجديد في المناهج التعليمية، حيث يرى البعض أن المنهاج القديم، كان "أسدياً" ويمجد نظام الأسد، فيما سيكون المنهاج الجديد بتعديلاته البسيطة حتى الآن "إسلامياً" وربما "داعشياً"، وما بين هذا وذلك هناك من يرى في كل ما يدور من مناقشات مجرد مبالغات وضجة مفتعلة من تيار ليبرالي شديد التطرف.
ويظل الشاهد في الأمر أن ترهل أو غياب الفكر المؤسسي هو الذي يقود إلى مثل هذه المآزق الصعبة، حيث يتشكل المنهج الدراسي و"هو أخطر مؤثر على عقل الأمم" إلى لعبة في يد النظام الحاكم، يشتكل بهوية هذا النظام، ويلهث خلف فكره.
ما هي التعديلات في المناهج الدراسية التي أثارت الجدل في سوريا؟
أعلنت وزارة التربية والتعليم في الحكومة السورية الجديدة، مساء الأربعاء عن إدخال تعديلات على المناهج الدراسية لجميع المراحل التعليمية، بدءا من مناهج الصف الأول الابتدائي وصولا إلى الصف الثالث الثانوي.
غير أن هذه التعديلات أثارت جدلا واسعا، حيث كان يتوقع أن تقتصر على حذف أو تعديل ما يخدم الدعاية لنظام آل الأسد، إلا أنه تبين أنها تمتد لتشمل حذف أجزاء مهمة من مواد التاريخ والفلسفة وعلوم الحياة والأرض، إضافة إلى اللغة الإنجليزية.
حذف كل ما يتعلق بنظام الأسد
شملت التعديلات إعادة صياغة بعض العبارات، وإزالة أو تعديل صور ورسوم في عدد من الكتب المدرسية، بالإضافة إلى حذف نصوص وفقرات. وكان العنوان العريض لهذه التعديلات هي حذف كل ما يتعلق بنظام الأسد وحزبه، بما في ذلك ما يهدف إلى تقديسه وتلميع صورته، إلا أن هذه "التصحيحات" توسعت لتشمل مواد أخرى أيضا.
في منشور لها على منصة "فيسبوك"، أفادت وزارة التربية والتعليم بأن وزيرها نذير القادري أعلن عن إلغاء مادة "التربية الوطنية" من المناهج الدراسية والامتحانات لهذا العام، وذلك بسبب احتوائها على معلومات مغلوطة تهدف إلى تعزيز الدعاية لنظام الأسد المخلوع وترسيخ أيديولوجية حزبه.
وأضاف الوزير أنه سيتم تعويض درجات مادة "التربية الوطنية" بمادة "التربية الدينية"، سواء الإسلامية أو المسيحية، وذلك وفقاً لما نقله موقع "مونت كارلو الدولية".
اختفاء فقرة "تطور الدماغ"
فيما يتعلق بمناهج الصف الثالث الثانوي العلمي، تم حذف وحدة كاملة تتعلق بـ"أصل وتطور الحياة"، بالإضافة إلى حذف فقرة "تطور الدماغ" بالكامل من مادة العلوم، بما في ذلك الصور والرسوم البيانية المرتبطة بها.
أما في الصف الثامن، فقد شملت التعديلات حذف الدرس الأول من الوحدة الثالثة في مادة العلوم، الذي يحمل عنوان "أصل الحياة وتطورها على الأرض". وهذا يثير تساؤلات حول الطريقة التي تنوي بها الإدارة الجديدة تدريس هذه المحاور الأساسية التي تعد ضرورية لفهم التطورات العلمية الكبرى.
الطريق من "البعثية" إلى "الإسلاموية"
في المقابل، انتقد رواد مواقع التواصل الاجتماعي هذا القرار، معتبرين أن التعديل في المناهج لا يمكن أن يكون من اختصاص حكومة انتقالية أو حكومة تسيير أعمال، مشيرين إلى أن بعض التعديلات تتناقض مع الحقائق التاريخية والعلم.
وذهب بعض النشطاء إلى وصف هذه التعديلات بأنها تحول من "البعثية" إلى "الإسلاموية"، معلقين على بعض التغييرات التي طالت مادة التربية الدينية، مثل استبدال عبارات وطنية مثل "الدفاع عن الوطن" بـ"في سبيل الله"، واستبدال مصطلحات مثل "المغضوب عليهم" و"الضالين" و"ابتعدوا عن طريق الخير" بـ"اليهود والنصارى".
علي حاضر بقوة في جدل الشيعة والسنة
وإلى جانب ذلك، حذفت الوزارة العديد من الأحاديث النبوية في مختلف المراحل الدراسية "بسبب إسنادها الضعيف"على حد تعبيرها، واستبدلت عبارة "علي كرم الله وجهه" بعبارة "علي رضي الله عنه".
وقال أحد الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي إن "تغيير المناهج تحت إشراف هيئة تحرير الشام ليس مجرد تهديد تعليمي، بل هو خطر طويل الأمد على النسيج الاجتماعي ومستقبل سوريا".
فيما وصف شخص آخر التعديلات بـ"الإعدامات التعليمية"، معتبرًا أن "دولًا عديدة ستعيد النظر في تعاملها مع الهيئة" (هيئة تحرير الشام) بسبب ذلك، "خصوصًا أن هناك استهدافًا لفئات دينية معينة".
كما تضمنت التعديلات مادة التاريخ، إذ أشار القرار بوجوب حذف كل الفقرات التي تتحدث عن حقبة حكم الدولة العثمانية، والتي كانت توصف في المناهج السورية على أنها "السلطة العثمانية الغاشمة".
كما تم حذف الفقرات المتعلقة ب"حرب تشرين التحريرية"(المعروفة بحرب أكتوبر)، بالإضافة إلى حذف تاريخ الآراميين والكنعانيين وتاريخ الآلهة القديمة.
الوزارة ترد على الجدل
وفي رد على الانتقادات، أعلن وزير التربية في الإدارة الجديدة، نذير القادري، في بيان على فيسبوك أن "المناهج الدراسية في جميع مدارس سوريا ستظل على حالها حتى تشكل لجان اختصاصية لمراجعتها وتدقيقها".
وأوضح الوزير قائلا "ما تم الإعلان عنه هو تصحيح لبعض المعلومات المغلوطة التي اعتمدها نظام الأسد البائد في منهاج مادة التربية الإسلامية، مثل تفسير بعض الآيات القرآنية بطريقة خاطئة، وقد اعتمدنا التفسير الصحيح كما ورد في كتب التفسير لكافة المراحل الدراسية".
التعليقات