تنام القوي الصاعدة في العالم اليوم يستنزف الموارد الطبيعية، الطاقة والغذاء والماء.. إلخ، وهو ما يطرح امكانية أن يشهد القرن الحادي والعشرين عودة إلي المنافسة الجيو ndash; سياسية.
لا سبيل أمام الولايات المتحدة إلا بناء علاقة تنسيق وتعاون مع quot;الصينquot;، لتطوير مصادر بديلة للطاقة، ووقف معدلات التدهور في quot;التغير المناخيquot; وثيق الصلة بأمن الطاقة... لكن لماذا أصبحت إفريقيا تحديدا هي ميدان التنافس العالمي بين الولايات المتحدة والصين في الألفية الثالثة؟
قارة أفريقيا تمثل سلة من الفرص الاستثنائية للاستثمار، وخزّان العالم الاستراتيجي من الموارد الطبيعية والمواد الأوليّة، بسبب زيادة الطلب وتقلّص نسبة الاحتياطيات العالمية ومعدّلات الإنتاج في العديد من مناطق العالم.
من هذه الموارد التي تتمتّع بها أفريقيا: حوالي 10% من احتياطي النفط العالمي، حوالي 80% من بلاتين العالم، وأكثر من 40% من ألماس العالم و20% من الذهب، ناهيك عن أنها تمتلك حوالي 4 آلاف كيلومتر مكعب من مصادر المياه العذبة المتجدّدة في السنة، أي ما يوازي حوالي 10% من مصادر المياه العذبة المتجددة في العالم.
علاقات الصين بأفريقيا تطورت خلال ما يزيد عن 60 عاما بشكل تصاعدي لتصبح أكثر عمقا وقوّة، وتتحوّل إلى شراكة عالمية مع نهاية الثمانينات من القرن الماضي بشكل يعكس قوّة نفوذ وتأثير الصين في أفريقيا، بعد التراجع النسبي للنفوذ الأوروبي (بريطانيا وفرنسا والبرتغال وأسبانيا وبدرجة أقل إيطاليا).
واتخذت العلاقات الاقتصادية مع أفريقيا، ثلاثة أشكال رئيسيّة، تضمنت: المساعدات الرسميّة والتجارة والاستثمار، وشهدت نقلة نوعية تحولت بموجبها إلى منح وقروض طويلة الأجل.
ويبدو أن quot; جوزيف ناي quot;، عميد معهد كيندي للعلوم السياسية في جامعة هارفارد، لم يتوقع مطلقا، وهو يصيغ مفهوم quot; القوّة الناعمة quot; في القرن الحادي والعشرين، أنه يفكر بالصين وليس الولايات المتحدة. وتعريف هذه القوة الجديدة، هو: quot; القدرة على صياغة خيارات الآخرين... وأن تكون نموذجا يحتذي، يجذب الآخرين ويدفعهم إلى أن يفعلوا ما تريد quot;.
القوّة الناعمة للصين تستمد طاقتها من مبدأ عدم التدخّل واحترام السيادة الوطنية للدول الأخري، وأيضا استخدام الصين المرن لأدوات السياسة الخارجية المتعدّدة: كالدبلوماسية والاقتصاد والثقافة. وهو ما يؤهلها لقيادة quot; عولمة بديلة quot; كقوّة quot;غير غربيةquot; تتحدى سطوة العولمة الراهنة، وتعمل على نقل المنفعة والفائدة المتبادلة مع الدول الأخرى، خاصة في القارة السمراء.
تختلف استراتيجية الصين في النظر إلي أفريقيا والتعامل معها، عن استراتيجية الولايات المتحدة ( وروسيا أيضا )، ففي حين تنظر الصين إلى أفريقيا على أنّها خزّان استراتيجي للموارد الأوليّة والطبيعية في العالم، وهو ما يلبي حاجاتها المتزايدة من هذه المواد وبالتالي الحفاظ على النمو الاقتصادي للبلاد والصعود الجيوسياسي على المستوى الإقليمي والدولي، فإن الولايات المتحدة، رغم أنّها تعدّ الشريك التجاري الأوّل ( تراجع هذا المركز اليوم لصالح الصين ) لأفريقيا، فمايزال البعد الأمني وليس التجاري أو الاقتصادي هو الذي يحظى بالأولوية، والدليل علي ذلك مشروع quot; أفريكوم quot; الذي طرح منذ العام 2007، وهدفه المعلن: quot; نشر الاستقرار وزيادة التعاون الأمني والشراكة مع دول القارة الأفريقية.
ملفات التقاطع الدولي في أفريقيا عديدة ومتداخلة، ويكفي أن نشير فقط إلي أن الصين هي ثاني أكبر مستهلك للنفط في العالم، ومن المتوقع أن تقفز وارداتها النفطية بحلول العام 2030. وبما أنّ حوالي 30% من واردات بكّين من النفط تأتي من أفريقيا مقارنة بحوالي 50% من منطقة الشرق الأوسط، فإنّ التواجد الصيني في أفريقيا يصبح ضرورة قصوي.
في المقابل، تعتبر الولايات المتحدة أكبر مستهلك ومستورد للنفط في العالم، وتشكّل واردتها من النفط من أفريقيا قرابة الـ 15% إلى 20%، أي ما يوازي تقريبا وارداتها من دول الشرق الأوسط. ومن المتوقع أن ترتفع هذه النسبة إلى 25% خلال السنوات الست القادمة، بحيث تستورد الولايات المتحدة أكثر من 770 مليون برميل من النفط سنويا من القارّة السمراء.
في هذا الإطار، فانّ الملف النفطي في أفريقيا يدخل في البعد الأمني لسياسة الطاقة الأمريكية، والشئ نفسه بالنسبة للاستحواذ على الموارد الطبيعية والأوّلية، الرئيس أوباما هو الذي دشن مبدأ ( القوة الناعمة ) في علاقة الولايات المتحدة بالقارة السمراء، وذلك في خطابه بالبرلمان الغاني- يوليو 2009، حيث أعلن أن حكومته ملتزمة بالشراكة مع أفريقيا علي أكثر من صعيد، منها منتدى التعاون الإقتصادي والتجاري جنوب الصحراء الكبري (أغوا)، الذي يرفع هذا العام 2010 شعار quot;أغوا في عامه العاشر: إستراتيجيات جديدة لعالم متغيرquot;. وسيعقد على فترتين: 2-3 أغسطس بواشنطن، ثم 5-6 أغسطس في كانزاس سيتي.
أهم ما جاء في خطاب أوباما حبنما زار غانا قبل عام: أن القرن الحادي والعشرين سترسم معالمه بفعل ما يدور لا في واشنطن وبكين وروما وموسكو فقط بل في أكرا وأفريقيا كذلك.
[email protected]