لا تختمر عناوين مقالاتي إلا مع آخر كلمة في السطر الأخير، تلح علي في اثبات أصالتها وأحقيتها في الوجود، أقاومها بشتي السبل والألاعيب حتي تثبت ما تدعيه، وحين أعجز عن رفضها أوقبولها في نفس الوقت، أحتكم إلي محركات البحث ربما تحسم لي الخيار، فقد يكون هذا العنوان مشابها أو قريبا أو مكررا، وحينئذ ينتهي الأمر.
في مقالي الأخير المنشور في جريدة روز اليوسف المصرية وموقعي الحوار المتمدن ودروب، والمعنون بquot;الشعب صنيعة حكومتهquot;، كررت عدة محاولات لأختبار جدارة العنوان الذي سأطل به علي القارئ، وفجأة عثرت علي مفارقة قد تدخل الحكومات العربية في الألفية الثالثة quot; موسوعة جينس quot;!
قرأت في جريدة القدس العربي موضوعا عن اتهام وزير الاعلام الأردني الأسبق مروان دودين بدعم التوطين السياسي، بعد دقائق فقط من ظهوره على شاشة التلفزيون الرسمي مدافعا عن مصداقية منظمة 'هيومن رايتس ووتش' الدولية.
وحسب quot; بسام البدارين quot;: فإنه quot; خلافا للتوقعات دافعت اقلام مهمة عن مصداقية المنظمة، وجاء الدفاع الاقوى والجارف عن مضمون التقرير من رمز المعارضة البارز جدا توجان الفيصل التي التقطت مفارقة صارخة عندما اشارت الى ان شعوب العالم تغير حكوماتها باستثناء الاردن، حيث الحكومة تستطيع تغيير شعبها عبر آليات سحب الجنسيات، معترضة بشدة على فكرة ان ينام الانسان اردنيا ثم يصحو بالتالي بلا جنسيته بذريعة دعاوى فك الارتباط والحفاظ على الهوية الفلسطينية. quot;
دلالة هذه المفارقة هي أن تغيير (الشعوب) أصبح أسهل بكثير من تغيير الحكومات (والحكام)، وأن الأورام المتعددة والمنتشرة في الجسد العربي من المحيط إلي الخليج باتت أكبر من الجسد نفسه، وبالتالي فإن استئصال الجسد أيسر من استئصال الورم، وهي حالة مرضية شاذة ونادرة في التاريخ والجغرافيا.
تعرفت علي كتابات quot; توجان quot; عن قرب، حين كلفت من مركز المسبار في دبي بعمل دراسة بعنوان (هوامش نقدية علي الديمقراطية) عن الديمقراطية في العالم الغربي والعالم العربي، واكتشفت أثناء التنقيب عن الأفكار الجديدة والمبدعة أن لدينا مجموعة من الباحثين والكتاب في العالم العربي (يطورون) اليوم النظم الديمقراطية في العالم، ولا نعلم عنهم شيئا أو حتي نستفيد من خبراتهم عن بعد، منهم quot; الأردنية توجان الفيصل quot; وquot; العراقي خالد يونس خالد quot; وغيرهما.
توجان طرحت تصورات مبتكرة عن الديمقراطية في مقالها المعنون: quot; إصلاح الأمم المتحدة.. من إقطاع دولي إلي ديموقراطية دولية quot;، وهي تدعو إلي ضرورة تطوير نموذجنا الديموقراطي الخاص (في أقرب وقت ممكن) بالاطلاع علي مجمل تجارب الدول الديمقراطية المستقرة، للتوصل إلى أنظمة حكم شرعية تستند إلي الإرادة الشعبية الحرة، عبر صناديق الانتخاب، كما تحدد لها مدة ولاية لا يجوز تجاوزها تحت أي ذريعة، وتحقق مبدأ تداول السلطة.

تقول: quot; من تجارب الأنظمة الديمقراطية الفيدرالية، يمكن استخلاص نظام فيدرالي دولي يحفظ حق الدول الصغيرة (مساحة وسكانا وثروة) فلا تلحق بغيرها أو تلغى، ويحفظ حق الدول الكبيرة فلا تتساوى في القرار دولة بحجم قارة وبتعداد مئات الملايين من البشر مع دويلة من بضعة كيلومترات وربع أو خمس مليون مواطن.
وهنالك ضوابط معروفة عند الفيدراليات العريقة التي ثبت أن أنظمتها تحقق الاستقرار الداخلي بتحقيق عدالة سياسية واجتماعية واقتصادية, منها وضع حدود دنيا وحدود عليا لثقل تصويت لولاية وحسب نوع القرار. وفي شأن الثروات هنالك تجارب لحفظ أحقية الولايات (الدول في النظام الدولي المقترح) في ثرواتها, مقابل مساهماتها في الاقتصاد الفيدرالي (الدولي), كلها محسوبة بحيث لا يتحول أهل أفقر ولاية لمتسولين وعبيد مقنعين، ولا تصبح ولاية أخرى مجمعا لمنتجعات تضم قصور النخبة الثرية فقط quot;.

وحتى شؤون السيادة التي هي الفارق الأكبر بين الفيدرالية داخل دولة والديمقراطية كنظام دولي هنالك معالجات لمتطلبات السيادة داخل الولاية ضمن الفيدراليات، إن جمعت لمفاهيم السيادة التي طورها الفقه القانوني على امتداد التاريخ الإنساني، ثم القوانين الدولية، وصولا لما يتم تداوله في الاتحاد الأوروبي الآن، هذا بمجموعه يمكن أن يشكل قاعدة انطلاق لمنظومة دولية عادلة.

ثم إن الكثير مما يخلق أزمات دولية تحت شعار أو ذريعة quot; السيادة quot; سيزول تلقائيا حين تعتمد الديمقراطية معيارا عالميا، بحيث لا تنضم للمنظومة الدولية الجديدة إلا quot; دول ديمقراطية quot; بدلا من quot; دول ذات سيادة quot; المستعملة الآن.quot;
ان وطنا يفرز مثل هذه الأفكار الديمقراطية المبدعة، يستحق حكومات أفضل بكثير، وتلك هي المفارقة الكبري!
[email protected]