[ quot;حسنا.. (هكذا قالت القطة).. هذه المره سيكون التلاشى بطيئاًquot;]
لنبدأ من نهاية الحكاية، وننتهى من حيث تكشيرة القطة... أو هذا التنمر العدوانى الذى يبقى أثره لبرهة فى مخيلتنا....
قد نرى قطة وديعة لا ينم مظهرها عل أنها من فصيلة النمور، أو أنها يمكن أن تكشر عن أنيابها... هكذا فكرت quot; آليسquot;....
لكن أن نرى تكشيرة بدون قطة، فهو أمر يدعو للتأمل! quot;


شبه quot;لويس كارولquot; عصر المعلومات والكمبيوتر بتكشيرة القطة، واستعار هذه الصورة من إحدى حكايات quot;آليس في بلاد العجائبquot;. المعلومات ليست أشياءً مادية أو لها صفة quot;عضويةquot;، وانما هي تصورات مجردة لأشياء عديدة ومتنوعة، ومن ثم فإن معالجتها وتوظيفها في سياق معين وتوقيت محدد يجعلها مثل quot;تكشيرة القطةquot; التي لا تظهر إلا عقب استثارتها، أو بعد فترة من تخزينها وتراكمها، حيث تتحول من الحالة التجريدة الأليفة التي تبدو عليها، إلي حالة جديدة غير مألوفة تتميز بالشراسة.
المعلومات التي عرضها موقع (ويكيليكس) أشبه بالزلات المحرجة، أو quot;الحقائق التي لم يكن من المفترض أبداً أن يصرح بها بصوت عالquot; كما يقول quot;سيمون شيسترمان quot; أستاذ القانون في جامعة سنغافورة الوطنية، ورغم ان معظمها quot; تافه quot;، فإنها تطرح تساؤلا كبيرا عما إذا كان من المفترض أن نسمح للحكومات - بعد اليوم - بالتكتم على الأسرار؟ وأن نقبل ونقتنع بمبررات هذا التكتم وهذه السرية؟
لم تهتم الإدارة الأمريكية بملاحقة quot;جوليان أسانج quot; والزج به في غياهب السجون، لأنها تعلم أن هذا الاجراء لن يَحول دون تسرُّب المزيد من الوثائق السرية. ذلك أن أسّانج نفسَـه لا يعرف الجهة التي تزودُه بِـالوثائق (251 ألف وثيقة من المراسلات السرية بين الدبلوماسيين الأمريكيين في جميع أنحاء العالم). وبما أن مصدر التسريب لا يزال مجهولا وحرا طليقا، فليس من المستبعد أنَّ أسراراً أخرى، يمكن أن تجد طريقها إلى النشر في مواقع إلكترونية أخرى... وهكذا.
الجديد الذي كشفت عنه هذه الوثائق السرية هو أن عصر المعلومات، في حقيقة الأمر، ما هو إلا عصر quot; تكنولوجيا المعلومات quot;، وبالتالي فنحن أمام معضلة منهجبة حقيقية، وهي وضع تعريف محدد للفظة quot; المعلومات quot; يكشف عن ماهيتها. ويبدو أن السبب وراء هذا القصور- حتي الان -هو تعدد وظائف المعلومة ذاتها، وانفصالها عن معناها التجريدي في أغلب الأحيان، من هنا تبرز أهمية الاقتراب أكثر مما تعنية هذة اللفظة في مختلف وظائفها.

الفيلسوف وعالم الرياضيات الأمريكي quot; كيث ديفيلين quot; في كتابه المعنون quot; وداعا ديكارت quot;، أكد علي قدرة (العقل الإنساني) علي (غربلة) المعلومات في المستقبل، أو قل ان مهمة العقل ستتجاوز ملاحقة وتجميع المعلومات إلي (الاستبعاد) و(الفرز) لمعظمها.

quot; ديفيلين quot; طرح سيناريو لقدرة العقل في التعامل مع المعلومات الزائفة أيضا، والآليات التي يستخدمها في استنتاج المعارف الحقيقية، وهو مشهد يجمع بين ثلاثة طلاب يدرسون المنطق، توم.. ديك.. هارى.
ذات يوم حار أجتمع ثلاثتهم فى حديقة أستاذهم وحاولوا تنظيفها، ومن شدة الحر كان يمسح كل منهم جبهته بحركة عفوية بظهر يده من وقت لآخر، وبعد الانتهاء من عملهم انضموا الى أستاذهم داخل منزله، وظهرت على جباههم آثار الاتساخ.
وكان كل واحد منهم يري بعينبه هذا الاتساخ على جبهتى زميليه ولكنه لا يعلم عن نفسه شيئا. وبمجرد ان شاهدهم الأستاذ قام بإجراء اختبار بسيط وبادرهم مازحا : واحد منكم يحمل آثار الاتساخ على جبهته؟.
وبعد برهة من التفكير توجه الطلاب الثلاثة الى الحمام لتنظيف جباههم... فما الذي جعلهم جميعا يدركون أنهم يحملون آثار الاتساخ؟
لقد قال الاستاذ : ان واحدا منهم فقط جبهته متسخة، وبالتالي فإنه قدم لهم (معلومة زائفة)، بينما كل واحد منهم يعرف مسبقا ضعف الرقم الذى ذكره الاستاذ، وبالتالي كان منطقيا ان يذهب الجميع الى الحمام لازالة اثار العرق والاتساخ على جباههم.
ان مفتاح المعرفة هنا استمد أساسا من معلومة الأستاذ الزائفة..
ولنتخيل عزيزي القارئ كيفquot; فكرquot; أحد الطلبة فيما قاله الأستاذ، وليكن هذا الطالب هو quot; تومquot;.. (توم يحدث نفسه) : اذا كانت جبهتى نظيفة فان quot; هارىquot; و quot; ديكquot; بالتأكيد يحملان آثار الأتساخ على جبهتيهما وهذا ما أراه بعينى، ولكن إذا كان الأستاذ قد قال بأن واحدا فقط جبهته متسخة فان الأمر لا يستقيم (أوغير صحيح)، هكذا فكر كل من quot; هارىquot; و quot;ديكquot; وبنفس الطريقة كانت النتيجة، وهي ذهابهم جميعا للاغتسال دون النظر في المرآه أو التأكد من شخص رابع.
هذا السيناريو يوضح لنا الاختلاف بين المعرفة الفردية والمعرفة الجماعية، وكيف يمكن أن يستنتج العقل الإنساني المعارف الحقيقية من المعلومات الزائفة، وهو ما سيجعل من quot; الشفافية quot; المحك الأول للحكومات في المستقبل (المنظور).

عصام عبدالله
[email protected]