ولنبدأ بالمخابرات الإسرائيلية ودورها في الصدامات الدموية بين المتظاهرين الأقباط وقوات الأمن المصري، التي شهدتها كنيسة العمرانية بمحافظة الجيزة (غرب العاصمة القاهرة) يوم الأربعاء (24 نوفمبر2010).

في نفس اليوم أعلن الدكتور مصطفى الفقى رئيس لجنة الشئون العربية بمجلس الشعب، أنه لا يستيعد quot; وقوف جهات وأصابع خارجية وأجنبية وراء الواقعةquot; ، مستشهدا بما ردده مدير الاستخبارات الإسرائيلية منذ أسبوعين: quot; نحن نقف وراء الاضطرابات فى مصر وخصوصا المشكلات الطائفية quot;، مؤكدا أنه لا توجد مشكلات طائفية كبيرة كما يزعمون.

كلام الفقي جاء كرد فعل متزامن مع الأحداث وفي لقاء مفتوح مع أساتذة جامعة عين شمس، ولا يمكن اعتباره بأي حال: quot; الرأي الرسمي للنظام quot;، كما يصعب فهمه في اطار الانتماء القومي العربي لضيف اللقاء، أو في سياق quot; نظرية المؤامرة quot; أو شماعة الغرب التقليدية.

الفقي هو أحد أبرز المثقفين المتخصصين في الشأن القبطي منذ رسالته المهمة عن quot; الأقباط في السياسة المصرية quot;، وربما لهذا السبب وغيره، يؤخذ كلامه علي محمل الجد في الغالب، سواء بالنقد أو التعليق، أو الحوار والجدل الحاد في بعض الأحيان.

في تصوري أن عدم توقع ما حدث فاق quot; قرون استشعار quot; الجميع، وأولهم الدكتور مصطفي الفقي نفسه، وحين يعجز العقل عن تصديق ما يراه بأم عينه (أو عقلنته)، ويفشل في نفس الوقت في العثور علي تفسير منطقي مقبول، يلجأ آليا إلي الأسباب الخارجية والماورائية وربما الخرافية.


فالأقباط حتي مساء الثلاثاء 23 نوفمبر، كانوا مسالمين مغلوبين علي أمرهم، لا يمكن أن يمارسوا العنف أو العنف المضاد، حتي لو أحرقت منازلهم ومصادر أرزاقهم في الكشح الأولي والثانية أو النواهض، وأكثر ما يمكن أن يردوا به علي مضطهديهم، هو التظاهر غضبا داخل أسوار الكنائس، أو في ساحة الكاتدرائية المرقسية بالعباسية.

ولذلك كان دور الأمن يقتصر عادة علي تأمين هذه المظاهرات (السلمية)، رغم لهيب الحناجر وصراخ الشعارات وقسوتها، ومنع خروجها من أفنية الكنائس إلي عرض الشارع، أي أنها كانت حتي الأمس القريب مظاهرات تتم داخل الاطار المؤسسي، والخطوط المرسومة والمتوقعة والمستوعبة أمنيا.

للمرة الأولي في تاريخ مصر الحديث يواجه الأقباط قوات الأمن بجرأة لافتة للنظر دون خوف، ثم يقتل ويصاب منهم العشرات ويقبض علي المئات في أقسام الشرطة، المفارقة هنا أنه قبل أسبوع واحد لم تحرك قوات الأمن ساكنا عندما احرقت منازل الأقباط فجر عيد الأضحي، ولكنها شمرت عن أسلحتها لوقف البناء داخل كنيسة (مخالفة)، وردا علي رشقها بالحجارة (حسب الرواية الرسمية).

لأول مرة أيضا يصبح الأقباط أقل استعدادا للطاعة حتي لقيادتهم الدينية والروحية، وهو تحول جديد يشير إلي أن الأقباط رفضوا بالإجماع، ما كان يخطط لهم وبخبث شديد وهو كونهم (طائفة دينية) مسؤول عنها سياسيا البابا، بل أعلن الأقباط للعالم أنهم مواطنون مصريون، وليسوا مجرد (رعايا) بمفهوم الدولة الدينية.

هذا معناه في التحليل النهائي سحب ورقة (الأقباط) والقضية الطائفية من أيدي الأمن والبابا، والتعامل معها كقضية سياسية في المقام الأول، وليس تكنيك دولة في ابتزاز الغرب أو في اطلاق الغضب الديني وتوظيف الاحتقان الاجتماعي ضد الأقباط، وهنا يبرز الموقف الوطني لأهلنا من المسلمين الذين التحموا مع الأقباط في العمرانية (ولم يبتلعوا الطعم) في مشهد نادر سيسجله التاريخ بأحرف من نور.

في تصوري أن ما حدث هو أشبه بإنفجار قوي مفاجئ، وليس عنفا منظما أوممنهجا، قد يتكرر في المستقبل بأشكال وأساليب مختلفة، ولذلك فإن النظام أمام معضلة كبيرة، فهو إما أن يمارس هوايته في المزيد من القمع والعنف ويجهز علي البقية الباقية من الدولة المدنية، وإما أن يستمع لصوت العقل والحكمة وهو: quot; ما لا يمكن منعه ينبغي السماح به quot;، خاصة في عصر حقوق الإنسان والحريات وثورة الاتصالات والميديا.

أن الحديث عن جهات وأصابع خارجية في أحداث العمرانية، معناه أننا نعيش في دولة quot; رخوة quot; أو quot; فاشلة quot; مخترقة ومستباحة، ولم يحدد لنا الدكتور الفقي من المقصود بالضبط بهذا الاختراق: هل هم الأقباط أم محافظ الجيزة أم جهاز الأمن؟
هذا من جهة، من جهة أخري فإن مزاعم quot; عاموس يادلين quot;، الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية عن مصر (مرفوضة تماما) ولا يمكن أن نقبلها كمصريين، ناهيك عن الاستشهاد بها.
لقد قال خلال تسليمه خلفه quot; الجنرال آفيف كوخفي quot; مهامه: quot;لقد أنجزنا خلال الأربع سنوات ونصف الماضية كل المهام التي أوكلت إلينا.. ونجحنا في تصعيد التوتر والاحتقان الطائفي والاجتماعي (بأيدي من يا تري؟!)، لتوليد بيئة متصارعة متوترة دائماً، ومنقسمة إلى أكثر من شطر في سبيل تعميق حالة الاهتراء داخل البنية والمجتمع والدولة المصرية، لكي يعجز أي نظام يأتي بعد حسني مبارك في معالجة الانقسام والتخلف والوهن المتفشي في مصرquot;.
وختم الجنرال quot; بادلين quot; كلامه: quot; يجب تحية الرئيسان حسني مبارك ومحمود عباس كل يوم، لما قدماه لاستقرار دولتنا وانطلاق مشاريعها quot;.
هل يمكن قبول هذا الكلام؟؟؟.. الذي تم التعتيم علبه في معظم وسائل الإعلام العربية، وأعيد من جديد مع الصدامات الدامية بين أقباط العمرانية وقوات الأمن المصري؟

[email protected]


المصادر:
http://www.14march.org/news-details.php?nid=MjUzODA4
http://www.tayyar.org/Tayyar/News/PoliticalNews/ar-LB/Imad-Mogniyeh-mt-8.htm?_year=2007'
http://www1.albawaba.com/ar/%D8%A7%D8%AD%D8%AF%D8%A7%D8%AB-%D8%AA%D8%AD%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B6%D9%88%D8%A7%D8%A1/%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85-15-%D9%85%D9%86-%D8%B9%D9%86%D8%A7%D8%B5%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%B9%D8%AF%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%85%D9%86
http://www.neworientnews.com/news/fullnews.php?news_id=14183
http://www.almanar.com.lb/NewsSite/NewsDetails.aspx?id=159775amp;language=ar