من المؤكد أنَّ الدمار الذي لحق بقطاع غزة كشف عن فشل تجربة حركة حماس في إدارة القطاع، خاصة على الجانب السياسي، بعد الانفصال عن السلطة الفلسطينية في عام 2005، في ظل قرار غير مدروس نفذته الحركة في 7 تشرين الأول (أكتوبر)، وهو ما تسبب في مأساة إنسانية غير مسبوقة ودمار شامل على المستويين الاجتماعي والاقتصادي.

هناك سؤال يلوح في الأفق: هل كان لدى قيادات حماس علم بعواقب عملية "طوفان الأقصى" على قطاع غزة؟ الإجابة لا تحتاج إلى خبرة سياسية؛ لأنه من المؤكد أن جيش الاحتلال الإسرائيلي سيكون له رد عنيف على الهجوم. والأكثر من ذلك، التقارير التي نشرتها بعض الوكالات تشير إلى أن نتنياهو كان لديه معلومات عن هجوم حماس ولم يتخذ أي تدابير لمنعه، لاستغلال ما قامت به حماس لنسف مساعي حل القضية الفلسطينية.

ولم يكن الهجوم خطأ حماس الوحيد، بل افتقرت الحركة للحنكة السياسية في التعامل مع رد الفعل الإسرائيلي. فقد استغلت الرهائن كوسيلة للضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لوقف إطلاق النار حفاظًا على حياتهم، خاصة أنَّ الرأي العام الإسرائيلي شن هجومًا على رئيس حكومة الاحتلال لمجازفته بحياة المحتجزين لدى حماس. لكن نتنياهو لم يعبأ بذلك، بل وسع نطاق الحرب على القطاع حتى تحول الأمر إلى إبادة جماعية لحياة الأبرياء.

إقرأ أيضاً: لهذه الأسباب طويت صفحة حماس

وحتى اللحظة، لم تنظر حماس لحجم الدمار الذي لحق بغزة، والذي أعاد القطاع عشرات السنين للوراء وخلف مأساة سيدفع ثمنها أجيال قادمة. ولم تستجب الحركة لكافة الضغوط من جانب أطراف التفاوض، رغم الجهود المضنية التي بذلتها مصر، التي حملت على عاتقها السعي لإيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية. وقد أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تصديه لمخطط نتنياهو بتهجير سكان غزة إلى سيناء وإنهاء القضية الفلسطينية باستيلاء إسرائيل على قطاع غزة وضمه لأراضيها.

ولم يتعاطف المجتمع الدولي مع غزة بالشكل المطلوب، ويرجع ذلك إلى ما ارتكبته حماس في 7 تشرين الأول (أكتوبر). انعكس ذلك بالسلب على قطاع غزة، ورغم حالة الاستنكار والشجب لجرائم الاحتلال بحق المدنيين، إلا أن المجتمع الدولي يرى أن معاناة الفلسطينيين لن تتوقف في ظل إدارة حماس لقطاع غزة. لذلك لم يستجب رئيس حكومة الاحتلال للضغوط الهائلة والأحكام الصادرة ضده من محكمة العدل الدولية، رغبة منه في القضاء بشكل كامل على حركة حماس، وليس إنهاء حكمها على غزة فقط.

إقرأ أيضاً: أين الحكومة من معاناة سكان غزة؟

مخطط نتنياهو يلقى دعمًا وتأييدًا مطلقًا من الولايات المتحدة وأوروبا، بضرورة القضاء نهائيًا على حركة حماس حفاظًا على أمن إسرائيل، في ظل عدم وجود موقف عربي موحد للتصدي لجرائم جيش الاحتلال، ليس دفاعًا عن حماس، بل لحماية أرواح الأبرياء في غزة.

على حركة حماس المنبثقة من جماعة الإخوان المسلمين أن تتخلى عن أحلام الاستمرار في حكم غزة، وتنظر إلى المصلحة العامة، وتكف عن تحقيق مكاسب شخصية على حساب القضية. يجب أن تقدم تنازلات لإنقاذ من تبقى من غزة، التي تحتاج إلى تكاتف عربي وإسلامي ودولي، خاصة أنَّ غزة ليس لديها موارد تعتمد عليها بشكل ذاتي. من الضروري التعاون مع إدارة ذات مسؤولية وخبرة وعلاقات وطيدة مع المجتمع الدولي مثل جمهورية مصر العربية.

إقرأ أيضاً: قمع الأسيرات الفلسطينيات

خلفية حماس الإخوانية ودعمها من إيران لن يسكباها أي تعاطف من العالم العربي والإسلامي. لذلك من الضروري أن تدرك الحركة ذلك جيدًا وأن تكون الإدارة القادمة في غزة محل ثقة الدولة المصرية على وجه الخصوص.

الجهاد الذي يناسب قطاع غزة هو جهاد الاستقامة وليس جهاد السلاح، إلى جانب بناء الثقة مع العالم العربي والإسلامي. لذلك يتطلب الأمر تحركًا فوريًا وعاجلًا حرصًا على إنقاذ القضية الفلسطينية برمتها وليس غزة فقط. لذا، على حماس أن تعجل بإتمام "صفقة الإنقاذ".