بعد سنوات طويلة من الحرب والظلم التي عاشها الشعب السوري في ظل نظام حافظ الأسد الأب وبشار الأسد الابن، شهدت البلاد منعطفًا تاريخيًا مع سقوط دمشق وهروب الرئيس السوري. تمكنت فصائل المعارضة، بقيادة إدارة العمليات العسكرية وعلى رأسها هيئة تحرير الشام، من السيطرة على العاصمة دمشق، لتجد نفسها في سدة الحكم وأمام مسؤولية إدارة الدولة وبالتالي في مواجهة تحديات جسيمة على المستويين الداخلي والخارجي.

التحديات الداخلية: إعادة بناء الدولة وضبط الأمن
تتمثل أبرز التحديات الداخلية في قدرة الحكومة الجديدة، بقيادة محمد البشير، على إعادة هيكلة مؤسسات الدولة. إحدى الخطوات الحاسمة تكمن في حل مئات الفصائل المسلحة المنتشرة على الجغرافيا السورية ودمجها ضمن جيش وطني جديد تحت إشراف وزارة الدفاع السورية.

إضافة إلى ذلك، تواجه الإدارة تحديًا أمنيًا كبيرًا يتمثل في ضبط الاستقرار في المناطق المحررة حديثًا، الممتدة من حلب إلى دمشق وجنوبًا نحو درعا والسويداء. فالتوترات الطائفية تهدد بإشعال حرب داخلية بين أبناء الشعب السوري، مما يستدعي تحركًا عاجلًا لمنع تفاقم الوضع.

شهدت محافظات الساحل السوري، ذات الغالبية العلوية، حوادث مقلقة مثل مقتل ثلاثة قضاة في طرطوس والاعتداء على المدنيين. هذه التطورات تشكل خطرًا محدقًا وتهدد السلم الأهلي وتتطلب تدخلًا سريعًا من السلطات الجديدة لضمان أمن المدنيين، وسحب جميع الفصائل المسلحة غير المنضبطة من تلك المناطق. الأهم هو تقديم المتورطين في جرائم الحرب إلى محاكمات عادلة، بعيدًا عن المحاكمات الميدانية التي قد تثير المزيد من الانقسامات.

التحديات الخارجية: صراع الفصائل وتأثير القوى الإقليمية
تعد الفصائل المدعومة من تركيا تحديًا آخر أمام الإدارة الجديدة. إذ تشتبك هذه الفصائل مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في مناطق مثل منبج وسد تشرين، مما يزيد المشهد السوري تعقيدًا. إذا لم تتمكن الحكومة الجديدة من إيجاد صيغة للتعامل مع هذه الفصائل، قد تتفاقم الأزمة لتتحول إلى صراع عربي - كردي في شرق الفرات.

غياب بعض القادة المؤثرين والأشد قربًا من تركيا، مثل قادة "العمشات" و"الحمزات" وفرقة "السلطان مراد"، عن الاجتماع الذي عقده أحمد الشرع مع قادة الفصائل العسكرية في قصر الشعب في العاصمة دمشق، يشير إلى استمرار التباينات داخل المعارضة، مما يزيد من صعوبة تحقيق الاستقرار.

التحدي الديني والطائفي في الجنوب السوري (السويداء)
في السويداء، حيث يحمي السكان أنفسهم من خلال سلاحهم الخاص، تواجه الإدارة الجديدة تحديًا في التعامل مع هذه المنطقة التي تتمتع بنوع من الإدارة الذاتية. تتصاعد الأصوات المطالبة بإنشاء دولة مدنية ديمقراطية تكفل حقوق جميع السوريين، وهناك من يطالب بالالتحاق بالجولان السوري المحتل. تعامل الحكومة مع هذا الوضع سيكون اختبارًا لقدرتها على إدارة التنوع السوري وتحقيق الاستقرار.

الخلاصة: طريق طويل وشاق
بالرغم من تصريحات الإدارة الجديدة بقيادة أحمد الشرع حول التقدم في توحيد الفصائل السورية وجمع شتاتها واندماجها في الجيش السوري الجديد، إلا أنَّ الواقع يشير إلى تحديات كبيرة ومستمرة. الخلافات بين هيئة تحرير الشام والفصائل الموالية لتركيا، بالإضافة إلى الخلافات القائمة مع فصائل الجنوب وقوات سوريا الديمقراطية، تجعل مهمة الحكومة الجديدة محفوفة بالمخاطر.

المشهد السوري بعد سقوط النظام لا يزال مليئًا بالتحديات، ويتطلب جهودًا جماعية لتحقيق الاستقرار وبناء دولة مدنية ديمقراطية تشمل الجميع.