مع قرب بزوغ فجر سنة ميلادية جديدة تؤذن بنهاية 2024 وبداية بزوغ 2035، تطل علينا أحداث كثيرة، يندرج أكثرها في خندق المآسي والحزن، الذي أضحى يتخذ مسارات بنيوية أكثر منها عارضة.
كيف لا، وقد شهد العالم في هذا العام الذي أشرف على الانتهاء أو انتهى بلا رجعة، مختلف أنواع التخريب والقتل، والقتل المضاد، والمكر بين الدول، والمكر المضاد، وتصاعد المد القومي، واحتقار الثقافات، وتقديس كراسي السلطة والولاءات، وذلك على حساب طموح شعوب ترزح تحت أنين الفقر والهشاشة. هشاشة تحصر في ضروريات وحاجيات متطلبات الحياة المتعددة، مقابل البذخ والغنى الفاحش للبعض، وتسابق أغلب الدول لصرف المليارات في شراء الأسلحة، خوفًا من وهم مجهول اسمه الحفاظ على التوازن أو الاستعداد لخطر خفي لا يعلمه إلا أصحاب القرارات، الذين تصلهم تقارير استخباراتية يجهل عامة الناس فحواها وأهدافها ومراميها المترامية التوقعات.
ها هي الحروب مشتعلة، أو خامدة تنتظر الضوء الأخضر من هنا وهناك لتحرق كل شيء بأسماء مختلفة، كضرورة الحفاظ على المصالح القومية، أو الكرامة الإثنية أو القبلية العرقية، أو الأوهام التوسعية المرتبطة بأفكار تعود لعهود الإمبراطوريات القديمة، وزد على ذلك كثير.
ولعل استمرار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وظاهرة الدراماتيكية التي عرفتها العلاقات الإسرائيلية مع دول كانت بالأمس القريب ترفض أي تقارب مع هذا المستجد، وحرب غزة الفاتحة لعهد جديد في الشرق الأوسط، وسقوط سوريا في يد ألاعيب الاستخبارات الإقليمية والدولية، تعد من أبرز مميزات عوالم السياسة الدولية في هذه السنة المنتهية غير المأسوف عليها. علاوة على استمرار غموض أفق الأزمة السورية على حالها، والحرب العبثية في اليمن، والنزاع التركي مع اليونان حول المياه الإقليمية، والتسابق على استغلال الذهب الأسود في البحر المتوسط، وما يحاك حول الثروات النفطية في بحر قزوين، والنزاع المحتمل الناجم عن بناء سد النهضة في إثيوبيا وانعكاساته على الدول المطلة على النيل، والصراع الإيراني المستمر، المذهبي والعقدي، والانقسامات الكثيرة بين قوى غلبت مصالحها على حساب مصالح شعوبها، يعد من أبرز سمات هذه السنة المنتهية. أضف إلى ذلك الأزمة الأوكرانية مع روسيا وما لها وما عليها! سنة بغموضها وضبابها الكثيف ستغطي لا محالة على أفق سنوات أخرى ربما ستتجه لأحداث من الصعب التنبؤ بأبعادها الدراماتيكية.
علاوة على ذلك، السياسات الجديدة والمرتقبة للولايات المتحدة الأميركية، التي يقودها رئيس مثير للجدل هو دونالد ترامب، بيد أنَّ قراراته لربما سيكون لها وقع كبير على الساحة الدولية، اقتصاديًا وسياسيًا وبيئيًا واجتماعيًا، هذا ناهيك عن التخوف الكبير للعالم الرأسمالي من الزحف التنموي للتنين الصيني المخيف للبعض والمؤثر، مما حول العلاقات الاقتصادية والتجارية إلى حروب تدار في الخفاء، حروب عنوانها الابتزاز السياسي، والانقلابات، والتسابق على تقديم المعونات والمساعدات بهدف كسب مزيد من النفوذ على مستوى القارات الفقيرة كإفريقيا وبعض دول آسيا وأميركا الوسطى والجنوبية، وزد على ذلك كثير!
وهذا لوحده دليل آخر على طموح الألم ورغبته في التوسع على حساب نقطة الأمل التي تترجى العودة للفكر الإنساني الخلاق، المبني على احترام التعدد والثقافات، وتقدير قيمة المشترك البشري من شجر وتربة وهواء وتنوع بيولوجي جميل وحياة هادئة، حياة يأبى الإنسان بطغيانه وجبروته الجبان تركها على مساراتها وسيرورتها الطبيعية الكونية.
إقرأ أيضاً: اليوم العالمي للغة العربية.. شموخ ونكسات
كما أنَّ العودة المحمومة لصراع الحضارات والثقافات، وتغذيته من طرف ثلة ممن يدعون التنظير، لدليل آخر على أن الفلسفة المبنية على احترام الاختلاف والخلاف ذاهبة لقبر مظلم عنوانه المزيد من إشاعة الحقد والكراهية بين المجتمعات والتجمعات السكانية والدول التي قدر لها أن تضم خليطًا من الأجناس والأعراق والديانات والمعتقدات.
حقد هدفه الوحيد تعميق الجراح، وطغيان ثقافة الموروثات التي تدعي كلها أنها على حق، رغم أن الحق لا زال يشكل لغزًا عظيمًا يترجمه هذا الكون الشاسع الذي يضم مليارات المجرات، ويجهل الإنسان المخلوق الطاغي ماذا يسود في تلك العوالم التي عجز العلم حتى الآن عن حسم ومعرفة جبروت الله في خلق لامتناه يعلمه هو وحده سبحانه وتعالى.
إقرأ أيضاً: سوريا والشرق الأوسط.. قيامة اليوم الموعود!
بيد أنَّ الأمل مهما حوصر، فعملته تبقى دائمًا وأبدًا نادرة ولا تقدر بثمن، أمل تحمله القلوب الطيبة والعقول الراجحة، المنفتحة، الخصبة، المؤمنة بحقوق الإنسان، في نطاق احترام الثقافات والعادات وبيئة تربية المجتمعات. أمل يتلخص في العادات الاجتماعية، والتعاون، وفتح أو إلغاء الحدود الوهمية، والبحث عن المشترك، ومحاولة خلق عالم جديد يسود فيه القانون والإنسان العاقل، لا الإنسان المدمر الخائن للطبيعة.
تلك الطبيعة المتأصلة في الحياة، أمل في التقليص من الفقر ومحاربة الهشاشة، من تسول وأمية وبطالة، مع البحث عن آليات جديدة لوضع حد للجرائم البشعة، من قتل واغتصاب وغيرها من الانحرافات السلوكية المرضية، المؤثرة على السلامة الطبيعية والحياة ككل. أمل الحياة الهادئة العادلة، القيمة المتنوعة، المفعمة بالأخوة والمحبة، تلك هي نقطة الأمل وسط أمواج بحر غارق في الألم.
التعليقات