هذه الكلمة ألقيت في الكونجرس الأمريكي، ضمن فعاليات المؤتمر الدولي الذي نظمته quot; منظمة التضامن القبطي ndash; كوبتك سوليدرتي - وأنعقد في واشنطون، يومي 8 و9 يوليو الجاري، تحت عنوان: quot;هل سيدفع مسيحو الشرق ثمن الربيع العربى؟quot;، وترأس الجلسة البروفيسور وليد فارس، وشارك فيها ثمانية من أعضاء الكونجرس، ولفيفي من الباحثيين والحقوقيين والأكاديميين، بالإضافة الي ممثلين لمختلف الأقليات الأثنية الدينية والعرقية في الشرق الأوسط.
الأقباط المصريون، هم الجذر الأصلي الضارب في عمق التاريخ للهوية المصرية، بمرور الزمن أصبحوا أقلية دينية وعددية منقوصة الحقوق، يمارس ضدها كافة أنواع الاضطهاد والقهر.
هذا الوضع المزدوج وهو كونهم: مواطنون أصلاء وفي نفس الوقت أقلية دينية عددية، جعل الاضطهاد الواقع عليهم حالة مزمنة ومعقدة ودائمة، حيث يتم عادة تجاهل حل قضاياهم الحقوقية المشروعة، بإنكار كونهم أقلية أساسا وبحجة أنهم من عرق واحد ولحمة واحدة، وبزعم أن الدستور ينص علي مساواة جميع المواطنين بصرف النظر عن الدين أو الجنس.
علي الجانب الآخر، تكشف الممارسات التمييزية ضد الأقباط في الواقع المعاش عن كونهم: quot; أقلية quot; غريبة منقوصة الحقوق تعيش في حمي الأغلبية من المسلمين المصريين، وبالتالي ليس لهذه الاقلية الدينية الحق في أن تطالب بالمساواة والمواطنة الكاملة في الحقوق والواجبات.
وأحذر هنا الولايات المتحدة التي تجري حوارات مع الاخوان المسلمين منذ فترة، باعتبارهم البديل المحتمل للسلطة في مصر بعد الثورة، بأن خطاب quot; الأخوان المسلمين quot; بشأن الأقباط مراوغ ومضلل، لأن الأقباط ndash; وفقا لكتاباتهم - هم رعايا وذميون وليسوا quot; مواطنين quot;، ينطبق عليهم ما علي الجماعة حسب القاعدة الشرعية: لهم ما لنا وعليهم ما علينا.
وهي قاعدة تتعارض مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان والحريات الأساسية، لأن معني ذلك أن من يحدد أولا ودائما: ما يجب أن يكون وما لا يجب، هم الأخوان المسلمون، وعلي الأقباط الإذعان والتنفيذ، أي أن الاقباط تابعون للمسلمين في كل شئ، لا أرادة لهم ولا يمتلكون أية حقوق، بما في ذلك الشكوي أو الاعتراض.
هذا من جهة، من جهة أخري، فإن الأقباط في ثورة 25 يناير 2011 أكتشفوا أنفسهم كغيرهم من المصريين، وأصبحوا للمرة الأولي أقل استعدادا لطاعة قياداتهم الدينية التي أعلنت قبل الثورة رفضها للتظاهر، وهو تحول جديد يشير إلي رفض الأقباط كونهم أقلية دينية مسئول عنها سياسيا البابا، بل أثبتوا للعالم بخروجهم في كل محافظات مصر، وقتلهم برصاص الأمن واختلاط دمائهم بدماء المصريين جميعا، أنهم مواطنون وليسوا مجرد quot; رعايا quot; بمفهوم الدولة الدينية، ما يفترض أن يتم التعامل مع قضيتهم العادلة علي أرضية المواطنة السياسية وليست كقضية أمنية كما كان الحال قبل الثورة.
المفاجأة هنا أن هذا التحول الجديد باتجاه الدولة المدنية، قوبل برد عنيف وحاسم وسريع ضد الأقباط، من قبل الإسلاميين الجذريين عن طريق هدم وحرق كنائسهم (في أطفيح وأمبابة) وقتل واغتصاب وسرقة ممتلكاتهم وترويع أطفالهم ونسائهم (في محافظات قنا وسوهاج وأسيوط والمنيا والجيزة والإسكندرية وغيرها)، مما أحدث صدمة كبيرة وردة فعل عكسية، فأصبح بعض الأقباط يتظاهرون في ماسبيرو أمام مبني التليفزيون المصري، وهم يرفعون شعارات ورموز دينية وبرعاية بعض رجال الدين المسيحي.
ان شعار ثورة 25 يناير وعلي مدار 18 يوما، هو: مدنية مدنية.. سلمية سلمية، عبرعن رغبة حقيقية لأغلب المصريين في أن تصبح مصر دولة مدنية في الألفية الثالثة، وهو أحد الحلول السحرية التي يجب اعتمادها لحل مشاكل الأقليات في الشرق الأوسط، وهم: الأقباط في مصر والجنوبيون في السودان والأشوريين والأرمن والأكراد والبربر وغيرهم في العراق وتركيا وإيران وسوريا ولبنان والمغرب الكبير.
لكن يبدو أن هذه الرغبة التي كشفت عنها ثورة 25 يناير تصطدم بإيديولوجية راسخة تتبناها الجماعات الإسلامية الجذرية والأكثر تنظيما والتي تمتلك القدرة علي فرض إرادتها وسطوتها بالعنف، مستغلة حالة الفوضي التي تعقب معظم الثورات: حدث ذلك في روسيا بعد ثورة 1917 حين اعتلي البلاشفة الحكم مدة 75 عاما، وفي ايران بعد ثورة عام 1979 حين اعتلي الملالي السلطة وحتي اليوم.
وللكلمة.. بقية

[email protected]