في الأول من يوليو 2011 تتولي بولندا رئاسة الاتحاد الأوروبي، وفي هذه المناسبة صرح quot;رادوسلاف سيكورسكىquot; وزير خارجية بولندا: أن عملية الانتقال إلي الديمقراطية فى العالم العربى ستستغرق نحو عشرين عاما على الأقل، مثلما استغرقت بولندا نفس المدة تقريبا للخروج من الشيوعية، وأن بلاده علي استعداد لتقديم خبرتها في الانتقال الديمقراطي للعالم العربي، الذي يبلغ عدد سكانه 500 مليون نسمة.
quot;سيكورسكيquot; أشار إلي أن وارسو أطلقت فكرة مؤسسة أوروبية مستقلة، لدعم التحول الديمقراطي في شمال أفريقيا تحديدا، وأن تونس مؤهلة لجني ثمار هذا التحول أولا، نظرا لأرتفاع نسبة التعليم ووضع المرأة التونسية والعلاقة الوثيقة مع فرنسا وأوروبا بوجه، فضلا عن وجود نخبة سياسية مثقفة وعصرية.
أما الوضع في مصر ndash; حسب تعبيره - فهو الأكثر صعوبة، بسبب ارتفاع مستوى الأمية، وقوة بعض الحركات الدينية المتشددة والمزج الدائم بين الدين والسياسة.
مبدئيا، لا خلاف علي أن وضع تونس وفرصتها في التحول الديمقراطي أفضل من مصر، للأسباب التي ذكرها quot;سيكورسكيquot; وغيرها.. تونس دولة صغيرة تمثل أحد الرؤوس المؤهلة للمساهمة بقوة في النظام العالمي الجديد، وليست جسدا مترهلا حافلا بشتي الأمراض : quot; نقص المناعة quot; ضد الطائفية والتمييز السلبي، وquot; الفساد الجوفي quot; علي كل المستويات، وquot; داء القطيع quot; وquot; التعصب المزمن quot;.
لكن يبدو أن هناك انطباع خاطئ لدي الغرب عموما وأوروبا بصفة خاصة، عن الثورات في العالم العربي أو ما عرف بquot; الربيع العربي quot;، حاولت تبديده مرارا وتكرارا كلما حللت ضيفا أو مشاركا في اللقاءات والمؤتمرات التي أدعي إليها
أولا : لأن الثورات في جنوب المتوسط تختلف عما حدث في أوروبا الشرقية منذ عام 1989، لأن هذه البلدان ndash; ومنها بولندا طبعا ndash; كانت مرتبطة بالنظام (السياسي ndash; الاقتصادي) في الاتحاد السوفييتي، بينما الدول العربية ليست كذلك وإن شئت الدقة فهي quot; أنظمة محلية صرفة quot; لا علاقة لها من قريب أو من بعيد بالنظم السياسية والاقتصادية في العالم!.
ثانيا: أن ثورة 14 يناير في تونس، و25 يناير في مصر لم يكتب لكليهما النجاح سلميا إلا عن طريق تدخل الجيش وحمايته للثوار، وتلك نقطة جوهرية لا ينبغي أن تغيب عن الأذهان، لأن من حسم الأمر واستلم مقاليد الأمور علي الفور ndash; عقب هروب زين العابدين وخلع مبارك ndash; هو الجيش وليس الشعب، وهو ما لم نشاهده في حال سوريا أو البحرين مثلا، ربما لأن جهاز الأمن القمعي في سوريا أكبر قوة وأكثر بطشا، وتلك مأساة أهلنا هناك.
ثالثا : أن نقاط القوة في ثورات جنوب المتوسط هي نفسها مكمن ضعفها، فالشعارات الليبرالية والديمقراطية التي رفعها الثوار، تقول كل شئ ولا تقول شيئا علي الاطلاق.
الثورة في مصر ndash; بصفة خاصة - لا تمتلك أدوات سياسية ومعرفية لها معالم واضحة، الأهم من ذلك انها لا تمتلك أدوات طبقية محددة تعبر عن رؤية أو برنامج اقتصادي اجتماعي نقيض، وذلك لأسباب موضوعية تعود إلى طبيعة التطور الاقتصادي المشوه في مصر.
وأشير هنا إلي كتاب : quot;اسم الديمقراطية الطيب: صعود الشكل الحكومي الأكثر شهرة علي مستوي العالم والمخاطر المحيطة بهquot;، ومؤلفه quot; مايكل مندلبوم quot; أستاذ السياسة الخارجية الأمريكية في كلية جونز هوبكنز للدراسات الدولية المتقدمة في واشنطن، وأحد أهم الثقات في بيوت التفكير ومراكز الدراسات والأبحاث في العالم، بإعتباره quot; عين ثالثة quot; خارجية، من المهم أن نتعرف: كيف ترانا؟
مندلبوم طرح سؤالا laquo;محدداraquo;: هل يقود التحول السياسي في مصر إلي الديمقراطية في نهاية المطاف؟.. ويجيب، لا أحد يستطيع أن يجزم علي وجه اليقين، ولكن إذا استعرضنا احتمالات الديمقراطية في مصر قد نقترب من الاجابة الصحيحة، والخطوة الأولي تبدأ بتعريف الديمقراطية ذاتها، والتي تُعَد شكلاً هجيناً من الحكم، ودمجاً لتقليدين سياسيين مختلفين. الأول يتلخص في السيادة الشعبية، وحكم الشعب، وهو التقليد الذي يمارَس من خلال الانتخابات. والتقليد الثاني، وهو الأقدم والذي لا يقل أهمية، فهو تقليد الحرية.
والحرية عنده لها ثلاثة أشكال: الحرية السياسية، وتتمثل في الحقوق الفردية، مثل حرية التعبير وتأسيس الجمعيات وغيرها، والحريات الدينية، التي تعني حرية العبادة لكل أتباع الديانات والعقائد المختلفة؛ والحرية الاقتصادية، التي تتجسد في حق الملكية الخاصة.
ولأن الديمقراطية الحقيقية تعني ممارسة العملية الانتخابية في quot; حرية quot;، فإن مصر - كما يقول مندلبوم - تواجه تحديا خطيرا هو أن الجماعة الأكثر تنظيما في مصر هم الأخوان المسلمون، الذين يرفضون حرية الأديان والحقوق الفردية، خاصة حقوق المرأة والأقباط.
وبالنسبة للحرية الاقتصادية فإن مصر في وضع غير موات. ذلك أن اقتصادها عبارة عن شكل من أشكال quot; رأسمالية المحسوبية quot;، حيث يعتمد النجاح الاقتصادي علي مدي قوة العلاقات السياسية التي يتمتع بها المرء، وليس علي منافسة السوق الحرة القائمة علي الجدارة والتي تنشأ الحرية في كنفها... وتلك معضلة كبري.

[email protected]