في مقالي السابق بإيلاف، أشرت إلي أن خطاب أوباما أمام أعضاء البرلمان البريطاني يمثل نقطة تحول أساسية في توازن القوي العالمي، وربما كان اعلانه: أن تحالف الولايات المتحدة وأوروبا لاغني عنه لتحقيق quot;هدف القرنquot; وهو: أن يكون العالم أكثر أمنا وسلما، هو مفتاح فهم التحولات الحالية علي مختلف الأصعدة.
لم يستبدل أوباما الاتحاد الأوروبي بالصين والهند أو العكس، ولا يملك في عصر ما بعد الهيمنة الأميركية، ترف اللعب علي العدوات والانقسامات بين الدول والمناطق والقوي، وربما كشفت الثورات العربية عن تآكل النفوذ الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط، وغيرها من المناطق ... وهذا هو الجديد في الأمر .
في صحيفة quot; الأندبندنت quot; كتب روبرت فيسك مقالا لاذعا عن السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، جاء فيه : ان العرب والمسلمين في الشرق الأوسط لم يعودوا يأبهون بما يقوله أوباما، الذي فشل ndash; حسب فيسك ndash; في دعم quot; الثورات العربية quot; مما أفقد الأمريكيين أخر ما تبقي من ثقة، quot; ذلك أن أوباما لا يمكن أن يدعم الديمقراطية في العالم العربي عندما تتعارض مع المصالح الأمريكية quot; في أشارة إلي صفقات سلاح مع السعودية بقيمة 40 مليار جنية استرليني .
جيفري د. ساكس أستاذ الاقتصاد ومدير معهد الأرض في جامعة كولومبيا، كتب مقالا مهما في موقع quot;سيندكت بروجكتquot; أيد فيه ما قاله quot; فيسك quot; وأكثر، يقول : quot; الواقع أن الأحداث الأخيرة في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى تعكس بوضوح انحدار نفوذ الولايات المتحدة. ذلك أن فشل أميركا في الفوز بأي ميزة جيوسياسية دائمة من خلال استخدام القوة العسكرية في العراق وأفغانستان يسلط الضوء على حدود قوتها، في حين تؤكد أزمة الميزانية التي تواجهها على اضطرارها إلى خفض مواردها العسكرية عاجلاً وليس آجلا. وعلى نحو مماثل، لم تلعب الولايات المتحدة أي دور في الثورات السياسية الجارية في العالم العربي الآن، بل ولم تُظهِر حتى الآن أي سياسة واضحة في التعامل مع هذه الثورات quot;.
الطريف أن كلا من quot; فيسك quot; وquot; ساكس quot; اتفقا علي أن انحدار التأثير الأمريكي في المنطقة، ظهر جليا (ويا للمفارقة الكبري) في دعوة إسرائيل إلى العودة إلى حدود عام 1967، كما جاء علي لسان أوباما، حيث رفضت إسرائيل بشكل حاسم وقاطع موقف الولايات المتحدة، واضطر أوباما إلي تغيير مواقفه في خطب سياسية متتالية بما يشبه الاعتذار، وحسب quot; فيسك quot; فإن أعضاء الكونجرس الأمريكي صفقوا لنتانياهو في زيارته الأسبوع الماضي لأمريكا quot; 55 مرة بحماسة فائقة quot; .
رفض اسرائيل لهذه الدعوة ليس هو الأول ولن يكون الأخير، رغم أن أوباما هو أول رئيس أمريكي يطالب اسرائيل صراحة بالعودة إلي حدود عام 1967، كما أن رفضها ليس استمرارا أو اجترارا للعجرفة المعهودة لنتانياهو، ولكنه إدراك عميق لطبيعة التحولات التي تمر بها المنطقة والعالم، وأن الاستحقاقات التي يجب أن تدفعها لتأمين مستقبلها بنفسها (دون ضغط أو توجيه من واشنطون ) أصبحت قاب قوسين أو أدني.
وحسب quot; شلومو بن عامي quot; وزير خارجية اسرائيل الأسبق فإن ما حدث في مصر أثار قلق اسرائيل، لأن نظام مبارك كان أوثق حليف لها، سواء في الحرب ضد حماس في غزة أو في الحد من محاولة ايران فرض هيمنتها الإقليمية، بل أن عدم فاعلية مبارك كوسيط في عملية السلام (الموهومة) كان مريحا جدا لإسرائيل !
اسرائيل هي أول من يدرك أن القوي العالمية تتوزع اليوم علي مناطق العالم الأربع، وأن علي هذه المناطق ndash; وفي مقدمتها الشرق الأوسط - أن تجد طريقها الخاص نحو التنمية الاقتصادية، وتأمين الطاقة والغذاء، وتشييد البنية الأساسية الفعّالة، ولابد وأن يتم ذلك في سياق من التعاون فيما بين المناطق المختلفة وداخل كل منطقة على حِدة، وبالتالي فإنه ليس أمامها سوي التصالح مع جيرانها حماية لمصالحها الوطنية الخاصة.
تري عزيزي القارئ : هل توجد علاقة بين تآكل النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط، وبزوغ عالم متعدد الأقطاب والقوي، وquot; هدف القرن quot;، في أن يصبح عالمنا أكثر أمنا وسلما؟

[email protected]