quot;الفلسفة أعمق من الأدب، لأنها تدرك ان الأدب أعمق منهاquot;

quot;حامد عبدالصمدquot; أديب مصري مقيم في ألمانيا، له رواية بعنوان quot;وداعا أيتها السماءquot; أحدثت ضجة كبيرة، حين سأله موقع (اليوم السابع) عن مغزي العنوان قال: quot; السماء هنا هى صورة الإله التى أرفضها: الإله (الغضوب) وهذا ما أرفضه لأن تلك الصورة أنتجت لنا آلهة صغيرة بالمواصفات نفسها بداية من الحاكم ومرورا بالشرطى والمدرس انتهاء بالأب والداعية والمفتي. أرى أن هذا التصور هو أحد أسباب تأخرنا، لأننا إذا لم نضع علامات استفهام حول هذا الإله، فلن نسأل أنفسنا ولن نتخلص من الآلهة الصغيرة التى لا تُسأل عما تفعل quot;.

اجابة عبدالصمد المبدعة تكشف عن طبيعة العلاقة بين الإيمان والثقافة، فهي في جوهرها علاقة (دائرية - تفاعلية)، أو قل أن الإيمان والثقافة (حلقة واحدة) يستحيل كسرها أو معرفة أين تبدأ الثقافة وأين ينتهي الإيمان؟. فما أؤمن به وأردده من quot; كلمات quot; أعيشه كتجارب، لأن لغتنا هي التي تحدّد مواقفنا وسلوكنا مع الآخرين، وأثبتت الدراسات العصبيّة-النفسيّة أن الثقافة، تستطيع أن تغيّر الخريطة السلكية للنواقل العصبية داخل الدماغ، وبمرور الزمن تنغرز تلك التغييرات لاحقا في الجينات الوراثية للإنسان، وربما لهذا السبب قال quot;رالف لينتونquot; شيخ الانثروبولوجيين : quot; ان ظهور جين وراثي جديد أسهل كثيرا من تبدل أو تغيير قيمة ثقافية موروثة quot;.

صورة الإله التي في أذهاننا هي التي تحسنا علي quot; محبة أعدائنا quot; أو تحرضنا علي quot; قتالهم quot;، وتحدد لنا من هو القريب أوالغريب، وتدفعنا علي الانفتاح والتواصل مع الآخرين أو الانغلاق والانفصال عنهم. فإذا كانت الأديان تسعي جاهدة لترفع الإنسان إلي مستوي الإله، علي اعتبار أن quot; المحب الصادق ndash; حسب إبن عربي ndash; من انتقل إلي صفة المحبوب، لا من أنزل المحبوب إلي صفته quot;، فإن البشرية اليوم تئن وتتألم quot;ربما quot; بسبب غياب صورة هذا الإله المحب الغفور الرحيم.

رواية عبدالصمد تلامس العصب العاري للنقاش المستعر حول quot; التعددية الثقافية المهددة في الغرب quot;، والتي أكدتها تصريحات quot; أنجيلا ميركل quot; الأخيرة : حول فشل منهج التعدّدية الثقافيّة في ألمانيا. أما في إيطاليا فقد كتب quot; أنجيلو بانيبيانكو quot; في مقاله بجريدة quot;كورييري ديللا سيراquot; : quot; أن مسألة المهاجرين (المسلمين والعرب) باتت الآن مسألة سياسيّة من الحجم الكبير... إنها المسألة الجديدة التي سوف تنقسم حولها لأجل طويل الديمقراطيّات الأوروبيّة والتي ستضاف إلى الخلافات المألوفة حول المواضيع الاقتصاديّة quot;.

الفيلسوف الكندي quot; تشارلز تيلور quot; حاول أن يعيد الجدل الصاخب حول دمج الأقليات المسلمة في الغرب إلي مساره الطبيعي، بعد أن تفرع إلي مسارات خطرة تؤجج الكراهية والعنف، فضلا عن تدمير فكرة الديمقراطية نفسها. رأي في كتابه الجديد (نحو عصر علماني) : quot; إن الأديان توفر قاعدة قوية وعميقة للتضامن، وتهميش الأديان خطأ فادح، تماماً كما قد يشكل تهميش الفلسفات غير الدينية خطأً كبيرا. إن المجتمعات الديمقراطية، في تنوعها الهائل، تستمد القوة من محركات عديدة مختلفة تشترك جميعها في الالتزام بأخلاقيات مشتركة. ولا تملك هذه المجتمعات إيقاف أي من هذه المحركات ثم تأمل في الحفاظ على المجتمع السياسي.quot;.
وفي مقاله المعنون quot; التضامن في عصر التعددية quot; في موقع (سيندكت بروجكت)، يقول : quot; إن شعور أي مجتمع بالتضامن لا يمكن أن يدوم إلا إذا عملت كافة قواه الروحية على إعادة صياغة شعورها بالإخلاص لقضية التضامن: أي إذا نظر إليه المسيحيون باعتباره مركزاً لمسيحيتهم، وإذا نظر إليه المسلمون بوصفه محوراً لإسلامهم، وإذا نظرت إليه مختلف الفلسفات العلمانية باعتباره مركزاً لها. quot;

لكن ما أغفله الفيلسوف quot; تيلور quot; وتنبه إليه الأديب quot; عبدالصمد quot; هو أن صورة quot; الإله quot; عند أتباع الأديان، خاصة التوحيدية أو الإبراهيمية، ليست واحدة بل هي علي النقيض في معظم ملامحها وتفاصيلها، رغم كل النوايا الطيبة والمخلصة لأنصار التقارب والحوار بين الأديان، وعند هذه النقطة بالتحديد سنواجه جملة من التحديات غير المسبوقة، تتطلب قدرا من الشجاعة والجرأة والشفافية في مطلع العقد الثاني من الألفية الثالثة.

[email protected]