يسجل التاريخ الآن الصفحات الأخيرة من quot; موجز تاريخ القرن العشرين quot; وهو الأسوأ علي الاطلاق، آخر سطوره: أن العام 2011 كان عام الحسم في منطقة الشرق الأوسط الكبير، حيث رحل كل من زين العابدين بن علي ومحمد حسني مبارك وأسامة بن لادن، وفي الطريق معمر القذافي وبشار الأسد وعلي عبدالله صالح.. والبقية تأتي.....
صديقي الداهية محمد البدري الكاتب الليبرالي ظل quot; يزن quot; في أذني لمدة عامين، وزنه أمر من السحر، قائلا: فتش عن علاقة بعض حكام المنطقة وتنظيم القاعدة وزلزال 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة والإرهاب في العالم.
وكنت أسمع ضحكته الواسعة تجلجل عبر الهاتف، كلما نقلت له ما يؤيد وجهة نظره، مثل: أن وكالة الاستخبارات الأمريكية تتابع (في تكتم شديد) حركة 149 مليارا من الدولارات تم غسيل الجزء الأكبر منها في مصر في عهد الرئيس مبارك، وأن جزءا منها ساهم في تمويل تنظيم القاعدة بدءا من عام 1998 وبوساطة quot;آسيويةquot;؟
وعقب إذاعة الشريط الصوتي الأخير المسجل للرئيس المخلوع حسني مبارك علي قناة العربية، سربت له ما نشرته مجلة quot; ذا أتلانتيك quot; الأمريكية حيث وصفته بأته: أحد الأساليب التي اعتاد عليها تنظيم القاعدة في مخاطبة الناس أو بث تهديداته، وأن مبارك سارعلي نهج مواطنه أيمن الظواهري، وزعيم تنظيم القاعدة quot; أسامة بن لادن quot;، حتي في نبرة تهديده لأبناء الشعب الشرفاء الذين كشفوا فساده وفساد حاشيته ويطالبون بملاحقته قانونيا، وكأنه (يهدد الكفار بالموت)!
قبل ساعات فوجئت برسالة علي بريدي الالكتروني من صديقي: quot; سقوط التنظيم العصابي المكون من العروبيين والإسلاميين، مع التحقيقات المستمرة مع المقبوض عليهم في شرم الشيخ وربما تسليم بعضهم quot; معلومات quot; لأنقاذ أنفسهم من عواصف الثورات. تم قتل الرأس المدبر لجريمة 11 سبتمبر 2011، فهل أنكشف المخطط والممول والراعي للإرهاب العالمي ؟... عشر سنوات ولم يتمكن أحد من العثور علي quot;إبن لادنquot;، ومع سقوط أغبي رؤوس النشكيل العصابي، فإن كل شئ أنكشف وبانquot;.
في تصوري أن التزامن بين سقوط الأنظمة القمعية المتتابع في المنطقة ومقتل زعيم تنظيم القاعدة اليوم، يلقي أضواء كاشفة علي المستقبل وآفاقه أكثر مما يفسر خبايا الماضي ودهاليزه، رغم أغراء عملية الكشف عن طبيعة العلاقة بين بعض حكام المنطقة وزعماء القاعدة والإرهاب العالمي، والأغواء القوي للتحليلات والتفسيرات وصدق احتمالها.
فقد كان الشعار الملهم والعبقري الذي رفعه شباب الثورة المصرية في ميدان التحرير بالقاهرة: quot; مدنية مدنية.. سلمية سلمية quot;، يطرح في العمق (وجذريا) قضية العلاقة بين الدولة والدين، أو بين السياسة والدين في منطقة الشرق الأوسط كلها، بعد أكثر من مائتي عام علي تأسيس محمد علي باشا للدولة المدنية الحديثة في مصر.
الأهم من ذلك أن نجاح هذا الشعار الذي وظف ببراعة فلسفة (القوة الناعمة) وآلياتها، وجه رسالة شديدة الوضوح للولايات المتحدة والعالم، مفادها: أن قلب الأنظمة الدكتاتورية في المنطقة والاطاحة بالحكام المستبدين ليس عن طريق تحقيق الديمقراطية quot; بالقوة العسكرية quot; كما أراد الرئيس quot; جورج بوش الإبن quot; (2002 ndash; 2008)، وليس عن طريق إيديولوجيا quot; العنف quot; التي روج لها زعيم تنظيم القاعدة وألهبت خيال الشباب الغر وألهمته علي مدار أكثر عقدين، بل أثبت نجاح الثورة المصرية (فشل) استخدام quot;العنفquot; كوسيلة واحدة ووحيدة للتغيير والتثوير، وأنهت (سلمية الثورة) فضلا عن (مدنيتها) عن quot; غاية quot; تنظيم القاعدة أيضا، وإلي غير رجعة.
الشبابُ المصري المتعلم الناضج الذي ينتمي إلي الطبقة الوسطي، وتقترب ثقافته المدنية ونمط تفكيره من الثقافة الغربية وأدواته هي نفس أدوات العولمة وثورة الاتصالات والانترنت، تمثلت أهداف ثورته في: quot; الكرامة والعدالة والحريةquot;.
لم يدعوا قط علي مدار 18 يوما هي عمر البراءة الثورية، إلي إقامة (إمارة إسلامية) أو إلي الدولة الدينية، لأنه يعلم تمام العلم أن quot; الاستبداد السياسي quot;قرينquot; الفاشية الدينية quot; ناهيك عن أنه الوجه الآخر للعملة الرديئة التي لم تعد صالحة للقرن الحادي والعشرين.
ان مقتل الشيخ أسامة بن لادن اليوم ربما يكشف شيئا عن بعض اتجاهات (لعبة الدومينو السياسي) التي تغير المنطقة بأسرع مما نتخيل، وهي اتجاهات ndash; لو صدقت - تجدد الأمل في الصدور والعقول وتبدد مخاوف الكثيرين من شبح الدولة الدينية الذي بدأ يستأسد ويرخي سدول الظلام في مصر.

أطرف التعليقات الساخرة التي قرأتها، وقد تزعج صديقي محمد البدري: أن ثورة 25 يناير أعادت مصر إلي الصدارة في العالم، خاصة بعد أن ترقي الدكتور أيمن الظواهري إلي منصب زعيم تنظيم القاعدة خلفا للشيخ أسامة بن لادن.

[email protected]