محاولة تفسير ما يحدث الآن من تصاعد الجرائم الإرهابية ضد الأقباط وكنائسهم وممتلكاتهم، باعتبارها من تدبير وتنفيذ أعداء ثورة 25 يناير، خاصة quot; فلول quot; النظام السابق ورجال الحزب الوطني وجهاز مباحث أمن الدولة، تكرار لأخطاء القراءة بعين واحدة، وحيلة سهلة لإراحة النفس بعيدا عن ملامسة الجدار المكهرب للأزمة المحتدمة في مصر.
قبل ثورة 25 يناير سادت هذه القراءة المبتورة لكنها مريحة وآمنة، فقد سري الاعتقاد بأن تغيير نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك من أصعب ما يمكن في حين أن تحقيق الديمقراطية في مصر أسهل بكثير، وجاءت الثورة لتثبت العكس وهو أن اسقاط مبارك ونظامه اسهل من توطيد دعائم النظام الديمقراطي الليبرالي الدستوري.
بعد أكثر من ثلاثة أشهر علي الثورة لم يظهر علي الساحة السياسية قوة مهيأة لحكم البلاد سوي quot; الجيش quot; الذي يحكم فعليا منذ عام 1952، وquot; الاخوان المسلمون quot; الذين يتمتعون بأكبر شبكة اجتماعية بطول البلاد وعرضها، أما القوة الثالثة التي تتحسس طريقها والمتمثلة في أنصار quot; الدولة المدنية quot; كالتيار الليبرالي واليسار علي اختلافه والأقباط، فهي تدخل معركة غير متكافئة أو متساوية الفرص لأسباب متعددة، الأخطر من ذلك أنها تتعرض لإنهاك وتشتيت مستمر.
يمثل غالبية الأقباط داخل هذه القوة الثالثة والمكملة لأضلاع المثلث المصري، quot; نواة quot; الدولة المدنية الصلبة والكتلة الأكبر المضمونة في الانتخابات القادمة لصالح مدنية الدولة المصرية، وربما لهذا السبب وغيره يتم التركيز علي ترويعها بشكل ممنهج ومتواصل . صحيح أن البشاعات اللا إنسانية التي ارتكبت ضد الأقباط من قطع أذن مواطن إلي حرق الكنائس مرورا بالقتل والتهجير، جاءت بنتائج عكسية - في الغالب - وكلما زادت الجرائم الإرهابية ضد الأقباط المسالمين، أنكشف الوجه القبيح لمدعي التدين والمتأسلمين، واكتسب أنصار الدولة المدنية المزيد والمزيد .
لكن يبدو أننا أمام أزمة مركبة أعقد بكثير من قدرات الجميع، وليس أنصار الدولة المدنية في مصر وحدهم، من أبرز ملامحها : أننا صنعنا مشكلة كبيرة ندفع ثمنها الباهظ اليوم - وغدا - وهي إطلاق أمراء الجماعات الإسلامية الذين ينتشرون في محافظات مصر ويتمترسون في مواقعهم القديمة، وهم قوة لا يستهان بها تستطيع أن تحرك الجموع والحشود وأن تستثمر quot; الفتن quot; النائمة وغير النائمة في أية لحظة، فضلا عن افتعال الأزمات وصناعتها وانتاجها.
الغريب في الأمر أن من نوكل إليه حل المشاكل الطائفية والجرائم الإرهابية هم رجال الدين ! وعن طريق الجلسات quot; العرفية quot; وليس حكم quot; القانون quot; ، ولأننا لم نحاسب quot; جنائيا quot; من هدم كنيسة صول بأطفيح، هدمت كنيسة العذراء بأمبابة قبل أيام، ولأننا لم نعاقب من قطع أذن مواطن قبطي أمام قاضيه الطبيعي، قطعت السكك الحديدية في قنا وعزلت عن باقي محافظات مصر في تحد سافر لهيبة دولة القانون، فالذين اعترضوا علي تعيين المحافظ القبطي كانوا يتحدون في الوقت نفسه سلطة من عينه وحلف اليمين أمامه.
ان تغييب quot; دولة القانون quot; والحقوق أو ما يعرف بالدولة الدستورية واللجوء إلي الجلسات العرفية وتبويس اللحي والنفاق الديني والصلح القسري، الذي يساوي بين الجلاد والضحية والجاني والمجني عليه، والذي يجعل من الخصم حكما، أدي إلي استفحال الكوار ث والجرائم الطائفية مما شجع كل أشكال البلطجة والترويع للآمنين، فلأول مرة في تاريخ مصر الحديث تتواجد في الشارع المصري أكبر قوتين مسئولتين عن الأمن (في الخارج والداخل): الجيش والشرطة، بينما تتزايد معدلات الإنفلات الأمني وعدم شعور المواطنين بالأمن والأمان وهي ظاهرة تحتاج إلي تفسير سريع وحاسم، وفي القلب منها : لماذا التركيز علي الأقباط ؟
[email protected]