ما الذي دفع quot;جوزيف س. نايquot; مساعد وزير الدفاع الأمريكي الأسبق، والأستاذ بجامعة هارفارد، وصاحب تعبير quot;القوة الناعمةquot; ومؤلف كتاب quot;مستقبل القوةquot;، إلي التصريح (الآن) بأن quot;القوة الاقتصادية لن تحل محل quot;القوة العسكريةquot; أبدا، والتي تشكل بالنسبة للنظام الأكسجين بالنسبة للتنفس، حسب تعبيره: حيث لا ننتبه إلي أهميتها إلي أن تصبح نادرة، وعند تلك النقطة فإن غيابها يهيمن علي كل ما عداها.... وما هي الرسائل (العاجلة) التي أراد quot;نايquot; أن يوجهها إلي الصين؟
لا شك في أن الصين ستصبح قطبا عالميا في المستقبل المنظور، وأنها والولايات المتحدة تحتلان المركزين الأول والثاني عمليا وتتبادلانهما بالتناوب، كما أن بنية رأس المال العضوية الراهنة أصبحت،‮ ‬من التداخل والتشابك والتعقيد إلي درجة قد تمنع قيام الحروب،‮ ‬التي عرفناها،‮ ‬مستقبلا.
لكن صحيح أيضا أن المجالات الأساسية في الألفية الثالثة كالابتكارات الحديثة والاختراعات ستبقي في أيدي الأمريكيين، كذلك القدرات العسكرية للولايات المتحدة، مهما بذلت الصين من جهود جبارة في هذا الصدد. ويكفي أن نعرف أن تفوق الأسطول العسكري الأمريكي وصل إلي درجات هائلة حيث أصبح أكبر من كل أساطيل العالم 14 مرة.
وهنا بالتحديد، يفجر quot;براهما تشيلانيquot; أستاذ الدراسات الاستراتيجية في مركز بحوث السياسات في نيودلهي، صاحب كتاب quot;الطاغوت الآسيويquot; والكتاب المرتقب quot;المياه: ساحة المعركة الجديدة في آسياquot;، مفاجأة من العيار الثقيل: تفسر مخاوف quot;جوزيف نايquot; ومزاعمه من جهة، وتعيد ترتيب خريطة القوي والصراعات القادمة من جهة أخري.
quot;تشيلانيquot; يثبت بالأسانيد والحجج أن الصين آثرت دائما quot;الخداع الاستراتيجيquot;، وأن العام 2010 شهد أكبر استعراض لقوتها، حيث نبذت علنا مبدأ quot;دينج كيساو بينجquot; وهو: quot;اخفِ الطموحات وخبئ المخالبquot; وهو ما أثار مخاوف اليابان والهند، خاصة مطالبها الإقليمية في بحر جنوب الصين.
طموحات الصين البحرية أصبحت حقائق علي الأرض، فقد أعلن الجنرال quot;تشين بنجادquot; قائد جيش التحرير الصيني في مقابلة اجرتها معه صحيفة جلوبال تايمز الناطقة بلسان الحزب الشيوعي، أن أول حاملة طائرات صينية جاهزة للابحار نهاية هذا الشهر (يونيو 2011)، في نفس التوقيت كشف وزير الدفاع الباكستاني quot;أحمد مختارquot; ان بلاده طلبت من الصين مؤخرا البدء في بناء قاعدة بحرية في ميناء quot;جوادرquot; الاستراتيجي، والذي يقع علي بحر العرب.
وميناء جوادر ndash; حسب تشيلاني ndash; يمثل أول موطأ قدم للصين في بحر العرب كجزء من الاستراتيجية الصينية بتجميع quot; سلسلة من اللآلئ quot; علي طول المحيط الهندي، حيث تطل علي ممرات الملاحة الخليجية والحدود الإيرانية، وهو ما أكدته عناوين افتتاحية صحبفة جلوبال تايمز: quot;الصين بحاجة الي قواعد عسكرية خارجية من اجل دور عالمquot;، ذلك أن غياب مرسي بحري للصين في منطقة المحيط الهندي يشكل نقطة الضعف الرئيسية.
اللافت للنظر أن الصين وظفت quot; القوة الناعمة quot; ndash; التي صكها جوزيف ناي ndash; في تعاملها مع باكستان نهاية العام الماضي، ونجحت في الحصول علي كل ماتتمناه وأكثر من طموحاتها العسكرية، فقد أبرمت عدة عقود مع باكستان (العدو اللدود للهند) بقيمة اجمالية تقارب 35 مليار دولار، أهمها ما يتعلق بتطوير الطاقة الشمسية والهوائية وتصل قيمته إلي 6,5 مليارات دولار.
أما المحادثات التي دارت خلف الكواليس، فقد تناولت قيام الصين ببناء محطة نووية في اطار برنامج يرمي الي انتاج ثمانية آلاف ميجاوات من الكهرباء بحلول عام 2025 للتخلص من الشح في الطاقة، وهو ما تعاني منه البلاد التي لا تغطي حاليا سوي 80% من حاجاتها، ناهيك عن أن باكستان تواجه أزمة اقتصادية حادة بسبب الفيضانات الكارثية التي ضربتها العام الماضي وتباطؤ الاستثمارات الغربية.
السؤال هو: هل تصطدم طموحات الصين العسكرية مع القوة العسكرية للولايات المتحدة في آسيا؟ أم أن هناك شبه تنسبق وتوافق بينهما؟ وما موقف الهند من طموحات الصين المعلنة، ومن هذا الصدام أو التوافق؟.. لقد أغضبت تصريحات الرئيس الأمريكي أوباما الهند قبل عامين، حين قال: quot; أن الصين ستلعب دورا استراتيجيا في آسيا والعالم quot;، وهو ما اعتبرته وقتئذ تهديدا مباشرا لها، خاصة وأن هذا الدور في (آسيا) يعود إلي الهند وحدها، كما أنه من غير اللآئق أن يتحدث أوباما عن الصين (وهي الخصم والحكم في نفس الوقت) بوصفها قادرة علي الاضطلاع بدور في (كشمير) محل الصراع بين الهند وباكستان.
والسؤال الأهم: هل ستصبح المياه ساحة المعركة الجديدة في آسيا، كما يقول براهما تشيلاني، وأين نحن من كل ذلك؟


[email protected]