أن تتضمن quot;وثيقة الأزهرquot; الصادرة أمس بشأن مستقبل مصر: التأكيد علي الدولة الدستورية، والفصل بين السلطات، واعتماد النظام الديمقراطي، والإلتزام بالحريات الأساسية وتطبيق العدالة الإجتماعية، والتأكيد علي مبدأ التعددية واحترام الأديان السماوية، والالتزام بالمواثيق الدولية واحترام الآخر وعدم التخوين أو التكفير، فهذا انتصار جديد لثورة 25 يناير 2011، وquot;وعودة حميدةquot; لأكبر مؤسسة دينية quot;وسطيةquot;، افتقدناها كثيرا.
أولا: هذه الوثيقة التي أعلنها فضيلة الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، هي استجابة لمطالب الثوار الشباب والشهداء من أبناء الشعب المصري، مسلمين ومسيحيين ولا دينيين، الذين رفعوا شعارا عبقريا ملهما في ميدان التحرير، هو: quot;مدنية مدنية.. سلمية سلميةquot;، وهو شعار يطرح في العمق قضية العلاقة بين الدولة والدين، أو بين السياسة والدين، بعد أكثر من مائتي عام علي تأسيس محمد علي باشا للدولة المدنية الحديثة في مصر عام 1805، ولا يمكن أن يطمح عاقل في أكثر مما جاء في هذه quot;الوثيقة التاريخيةquot; الآن.
ثانيا :أن الوثيقة ببنودها المختلفة أكدت علي أن هناك تناقض جوهري وأساسي بين الدولة المدنية والدولة الدينية، ولا يمكن بناء الدولة المدنية في ظل الدولة الدينية، لأن العقيدة، أية عقيدة كانت، لا تؤمن بحق جميع المواطنين على قدم المساواة، طالما أن القانون الديني يميز بين العقائد. في حين أن الدولة المدنية تسمح لجميع المواطنين بممارسة عقائدهم بحرية ودون تمييز وبنفس الشروط، علي أساس حق الجميع في المواطنة بالتساوي، وهو ما أشارت إليه الوثيقة بالنسبة لاحتكام أتباع الديانات غير الإسلامية إلي شرائعهم الدينية في قضايا الأحوال الشخصية.
ثالثا : أن الوثيقة عالجت ndash; بشكل غير مباشر ndash; معظم مخاوف أنصار الدولة المدنية، وهي أننا نعيش quot;حالة فريدةquot; وغير مسبوقة بين معظم النظم السياسية المعروفة في العالم، فالدولة المصرية حتي كتابة هذه السطور لا هي دولة مدنية خالصة ولا هي دولة دينية كاملة. فقط هناك، استغلال للدين في العمل السياسي، من أجل الوصول إلي الحكم، أو استغلال النظام السياسي للدين لترسيخ السلطة حتي ولو كانت منفردة، تحقيقا لأهداف سياسية وحزبية لم يستطع تحقيقها بالوسائل المدنية.
رابعا : أن الوثيقة جاءت في توقيتها تمام لتعيد الأمور إلي نصابها بعد قرنين كاملين من محاولة إنشاء الدولة المدنية الحديثة، حيث ما زلنا حائرين في ماهية تلك الدولة وهل هي حقا مدنية، أم دينية، خاصة مع تكرار العنف الطائفي ضد الأقباط والبهائيين وغيرهم من جانب المتأسلمين والمهووسين دينيا، وحين يتوه الجميع في دوامة خلط المفاهيم يصبح المخرج الوحيد هو: quot;دولة مدنية ذات مرجعية دينيةquot;، أو دولة دينية ذات غلاف مدني، وهو أهم وأخطر ما كشفت عنه الأحداث المأسوية التي تلت ثورة 25 يناير 2011.
خامسا: أن الوثيقة تحسم التساؤل الجوهري حول طبيعة الدولة في عصر العولمة وما بعد الحداثة السياسية، وعدم الحسم هنا كان يضر ب(المواطنة)، وينسفquot;العقدquot; الإجتماعي الجديد قبل أن يكتب بتوافق كل المصريين. بل أن الوثيقة أكدت أنه لا سبيل لنجاح المشروع الوطني، إلا في ظل quot;الدولة المدنيةquot; الديموقراطية الليبرالية، التي تضمن حقوق وحريات كل أعضاء المجتمع بغض النظر عن الدين أوالجنس أوالفكر، فالمواطنة، تقوم على قاعدة المساواة بين المواطنين فى الحقوق والواجبات.
سادسا : أن اقامة الدولة المدنية الديمقراطية الدستورية وارساء مبدأ quot; المواطنة quot;، هو مطلب عام ليس لهؤلاء الشباب فقط وإنما أيضا لأغلب القوي الوطنية والمؤسسات المهمة في المجتمع، وهو الكفيل وحده بإزالة المناخ الطائفي وعدم ظهور مروجي الفتن مرة أخري، ناهيك عن أنه يطمئن مخاوف الجميع من شبح الدولة الدينية أو الدولة العسكرية، وهو السبيل الي تحقيق الدولة المصرية العصرية حيث يستبدل اليوم مبدأ quot;الديمقراطيةquot; بمبدأ quot;السيادةquot; الوطنية، في عصر العولمة وحقوق الإنسان والمواطنة العالمية.
[email protected]
- آخر تحديث :
التعليقات