لمصلحة من تصاعد أعمال العنف من جانب الفصائل المسلحة في الضفة الغربية؟ سؤال قد تبدو إجابته واضحة لمن يتابع المشهد المتأزم في مخيم جنين وكافة مدن الضفة الغربية، فمن المؤكد أن استمرار العمل المسلح الممنهج يصب في صالح جيش الاحتلال الإسرائيلي، الذي يستغل أعمال العنف من جانب العناصر المسلحة لتبرير عمليات قصف المنازل والبنية التحتية في الضفة.
ما يحدث في الضفة الغربية يخدم المخطط الإسرائيلي في التهجير القسري للفلسطينيين، خاصة في ظل انتشار حالة الفوضى الأمنية وما أعقبها من عمليات عسكرية أدت إلى تفاقم الأوضاع، الأمر الذي ينعكس سلباً على جهود السلطة الفلسطينية، التي تسعى جاهدة لرأب الصدع وملاحقة مرتكبي أعمال العنف المسلح، بحجة التصدي للاحتلال.
يوماً بعد يوم، يوسع جيش الاحتلال عدوانه على الضفة الغربية، ولم يكتفِ بأعمال القصف والتدمير لمنازل المدنيين، بل يشن حملات اعتقالات موسعة، مما يزيد الأمور تعقيداً على السلطة الفلسطينية. وبالرجوع إلى الإحصائيات الصادرة عن هيئة شؤون الأسرى، سنجد أن حصيلة حملات الاعتقال التي نفذها الاحتلال تجاوزت 11 ألفاً و500 حالة اعتقال في الضفة، بما فيها القدس.
وجاءت حصيلة المعتقلين من النساء، بعد أحداث السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، نحو 430 أسيرة، وتشمل هذه الإحصائية النساء اللواتي اعتقلن من الأراضي المحتلة عام 1948، وحالات الاعتقال بين صفوف النساء اللواتي من غزة وجرى اعتقالهن من الضفة، ولا يشمل هذا المعطى أعداد النساء اللواتي اعتقلن من غزة، ويُقدر عددهن بالعشرات، إلى جانب ما لا يقل عن 750 طفلاً.
إقرأ أيضاً: خطة تدمير "جنين" ودور السلطة الفلسطينية
ولم يسلم الصحفيون الذين يؤدون عملهم في الأراضي المحتلة، فقد بلغ عدد الصحفيين المعتقلين منذ بدء حرب الإبادة 132 صحفياً، تبقى منهم رهن الاعتقال 59، من بينهم 6 صحفيات و31 صحفياً من غزة على الأقل، ممن تم التأكد من هوياتهم. وبلغ عدد أوامر الاعتقال الإداري منذ بدء حرب الإبادة أكثر من 9392 أمراً، ما بين أوامر جديدة وأوامر تجديد، منها أوامر بحق أطفال ونساء.
واستشهد في سجون الاحتلال بعد السابع من تشرين الأول (أكتوبر) ما لا يقل عن 41 أسيراً، ممن تم الكشف عن هوياتهم وأُعلن عنهم، من بينهم 24 شهيداً من معتقلي غزة، بالإضافة إلى العشرات من معتقلي غزة الذين استشهدوا في السجون والمعسكرات ولم يفصح الاحتلال عن هوياتهم وظروف استشهادهم، إلى جانب العشرات الذين تعرضوا لعمليات إعدام ميداني.
هذه المعطيات لا تشمل أعداد حالات الاعتقال من غزة، والتي تُقدر بالآلاف، علماً بأن الاحتلال اعترف باعتقال أكثر من 4500 مواطن من غزة، أُفرج عن المئات منهم لاحقاً، مع الإشارة إلى أن الاحتلال اعتقل المئات من عمال غزة في الضفة، إضافة إلى مواطنين من غزة كانوا متواجدين في الضفة بهدف العلاج.
إقرأ أيضاً: القدس بين التفاؤل الحذر ومخاوف طمس الهوية
وتتزايد الأرقام المذكورة يومياً مع استمرار حملات الاعتقال التي ينفذها جيش الاحتلال الإسرائيلي "عشوائياً". ومن المؤكد أن السلطة الفلسطينية تعمل جاهدة على تضييق الخناق على العناصر المسلحة، ممن تسببوا في أعمال العنف وحالة الفوضى الأمنية، خاصة مع تصاعد العمليات العسكرية، لكنها في الوقت نفسه تكشف عن مخاطر تصاعد العمل المسلح غير المنضبط، الذي قد يؤدي إلى فوضى تهدد الاستقرار الداخلي والمشروع الوطني الفلسطيني.
وتعمل السلطة الفلسطينية، في المسارات السياسية والدبلوماسية وفقاً للأطر الشرعية، لفضح جرائم الاحتلال الإسرائيلي، ولكن في ظل انتشار السلاح خارج الإطار الرسمي، فإن ذلك يُضعف من قدرة السلطة على تحقيق أهدافها الوطنية، ويمنح إسرائيل الذريعة لمواصلة عدوانها.
الوضع المتأزم في الضفة يحتاج إلى ترابط وتكاتف بين كافة الأطراف، والتخلي عن قناع "شمشون" الذي ترتديه الفصائل المسلحة بحجة مقاومة الاحتلال، ولكن من المعروف أن العناصر المسلحة تنفذ أجندات خارجية ضد السلطة الفلسطينية، وهو أمر كارثي يجب العمل على تداركه لإنقاذ القضية الفلسطينية، ومنع الاحتلال من تنفيذ مخططه الخبيث.
إقرأ أيضاً: جنين بين التصعيد والظروف الاقتصادية
توحيد الصف الفلسطيني وتعزيز النهج السياسي والدبلوماسي هو السبيل الأفضل لحماية الحقوق الفلسطينية ومنع الاحتلال من فرض أجندته بالقوة، ويجنب الضفة ويلات الدمار الذي وقع في قطاع غزة، بسبب تمرد حماس على السلطة الفلسطينية.






















التعليقات