تُثار العديد من التساؤلات حول تمسك إسرائيل بالحلول الأحادية الجانب، واعتمادها على منطق القوة في التعامل مع القضية الفلسطينية، إلى جانب تعثر الحلول السياسية، وأبرزها “حل الدولتين”. ورغم تعدد التفسيرات، تبدو الدوافع واضحة، حيث تعكس السياسات الإسرائيلية توجهًا نحو توسيع نفوذها في الأراضي الفلسطينية، في ظل استمرار العمليات العسكرية التي تزيد من تعقيد المشهد.

من غزة إلى جنين
المتابع للمشهد في الأراضي الفلسطينية كان يأمل أن يكون وقف إطلاق النار خطوة نحو التهدئة، إلا أن الأحداث أظهرت استمرار التصعيد، حيث انتقلت العمليات العسكرية من غزة إلى مخيم جنين. وقد نفذ الجيش الإسرائيلي غارات أسفرت عن تدمير العديد من المنازل، بدعوى وجود عناصر مسلحة، ما أدى إلى سقوط عدد من الضحايا الفلسطينيين، في تصعيد يفاقم الأوضاع الإنسانية والأمنية في المنطقة.

الأوضاع الأمنية في مخيم جنين تسببت في نزوح المئات من الفلسطينيين إلى البلدات والقرى المجاورة، وسط مضايقات وعمليات تفتيش دقيقة من جانب جنود الاحتلال الإسرائيلي، الذي فرض قيودًا على حركة المواطنين، وحدد طرقًا معينة للمرور بها، واعتقل كل من يشتبه به.

هذه الأوضاع الناجمة عن المواجهات بين قوات الاحتلال والفصائل المسلحة تسببت في أزمات عدة في الاحتياجات الأساسية للمواطنين، وانقطعت المياه والكهرباء ومصادر الحصول على الغذاء، ما يشير إلى أن إسرائيل تنفذ خطة ممنهجة تجاه الفلسطينيين في جميع المناطق والبلدات، ويبرهن على أن الهدف الذي يسعى إليه الكيان هو تدمير البنية التحتية والمعيشية في جميع أنحاء فلسطين وتهجير الشعب قسرًا.

ضغوط الاحتلال الإسرائيلي
لا يخفى أن الاحتلال الإسرائيلي يمارس ضغوطًا على الفلسطينيين في مخيم جنين، ولم يكتفِ بشن غارات وهجمات على المدنيين، بل منع المسعفين من أداء دورهم في إنقاذ حياة الجرحى، وعرقل وصول أي إمدادات إغاثية، وتفاقمت المعاناة بشكل كبير، وسط تصاعد المخاوف من شن عمليات عسكرية أكبر خلال الفترة المقبلة.

أطراف دولية عديدة طالبت بوقف التصعيد الإسرائيلي في مخيم جنين، دون اتخاذ خطوات جادة تساهم في وقف العدوان. إلى جانب ذلك، فإن إسرائيل لا تلتفت إلى أي مطالب، سواء من حلفائها أو غيرهم، وتضرب بالقوانين الدولية عرض الحائط. وقد تواصل هجومها على المخيم في أي لحظة، طالما أنه ليس هناك مسار سياسي لوقف العدوان.

من يتابع ردود أفعال سكان مخيم جنين في المقابلات التي أجرتها بعض وسائل الإعلام، سيدرك بالتأكيد حجم المخاوف وحالة الرعب التي يعيشها السكان، وحجم المعاناة الإنسانية في الحصول على متطلبات الحياة، وسط الحصار الإسرائيلي المفروض على المخيم من جميع أطرافه. إلى جانب الأنقاض التي أصبحت في مختلف الطرق داخل المخيم، جراء قيام جيش الاحتلال بتفجير 20 منزلًا مأهولًا بالسكان.

عجز المجتمع الدولي
النهج الإسرائيلي في تهجير سكان المخيم بات واضحًا تحت مزاعم ملاحقة العناصر المسلحة، ولكن الحصار المفروض وأعمال القهر الواضحة خير دليل على أن إسرائيل تمضي قدمًا في تنفيذ مخطط التهجير، بالتوازي مع مخطط “ترامب” الهادف إلى تهجير الغزاويين من القطاع ووضعه تحت الإدارة الأميركية، وهو ما يواجه رفضًا قاطعًا من مصر وكافة الأطراف.

أمام مشاهد التدمير، يقف المجتمع الدولي عاجزًا عن مواجهة جرائم الاحتلال، دون اتخاذ خطوات من شأنها وقف العدوان وحصار المدنيين. من الضروري أن يتخلى المجتمع الدولي عن دور “المتفرج”، والتوقف عن بيانات الشجب والإدانة، والتحرك بشكل فوري، من خلال عدة مسارات، أهمها الضغط على الولايات المتحدة، الحليف والداعم الأول لإسرائيل، للوصول إلى حل سياسي لوقف العدوان.

تعزيز التوافق الوطني
ما يقوم به الاحتلال الإسرائيلي يتطلب اتخاذ موقف أكثر إيجابية من جانب السلطة الفلسطينية، التي واجهت العناصر المسلحة في مخيم جنين لفرض سيطرتها الأمنية، ولكن مع قيام الاحتلال بشن عمليات عسكرية، تحول المخيم إلى بؤرة جديدة للصراع بين الفصائل المسلحة وجيش الاحتلال. لذلك، فإن تصاعد حدة التوتر في المخيم له عواقب وخيمة على مسار القضية الفلسطينية.

لا شك أن السلطة الفلسطينية تتابع عن كثب التطورات في مخيم جنين، مما يستدعي بذل جهود دبلوماسية مكثفة لحشد الدعم الدولي والضغط لمنع أي تصعيد جديد. وفي هذا السياق، يبقى تعزيز التوافق الوطني بين مختلف الأطراف، بما في ذلك حماس والفصائل المسلحة، أمرًا ضروريًا لدعم جهود السلطة الفلسطينية في تجنب تكرار سيناريو التصعيد الذي شهدته غزة.