في عام 1996 طرحت اليونسكو سؤالا بسيطا وصعبا في نفس الوقت، علي نخبة من المفكرين وأصحاب الرأي في العالم، هو: quot;من نحن؟quot;.. ونشرت مجلة (ديوجين) في العدد (173 ndash; 117)، بعض الإجابات والردود المهمة علي هذا السؤال الإشكالي، quot;الذي صيغ بدقة حتي لا يحدث خلط محتمل في الذهن، بين: quot;من نكون؟quot; وبين quot;ماذا نكون؟
الفيلسوف الأمريكي quot;ريتشارد رورتيquot; كتب مقالا مهما في هذا العدد الاستثنائي من المجلة، حمل هذا العنوان الكاشف: quot;من نحن؟.. أو من نكون؟.. عالمية أخلاقية وخدع اقتصادية quot;، أكد فيه: علي أن السؤال quot;من نحن؟quot; يختلف تماما عن السؤال الفلسفي التقليدي quot;ماذا نكون؟quot;. فالسؤال الأخير مرادف لسؤال الفيلسوف الألماني quot;إمانويل كانطquot;: ما الإنسان؟quot;، ويعني أساسا بالكيفية التي يختلف بها النوع البشري عن سائر المملكة الحيوانية، أو بالأحري: يعني بالاختلافات بيننا وبين سائر الحيوانات الأخري، فسؤال quot;كانطquot; في النهاية هو سؤال علمي فلسفي.
علي النقيض من ذلك، ينبهنا quot;رورتيquot; إلي أن السؤال quot;من نحن؟quot;، سؤالا سياسيا بالدرجة الأولي، لأن السائل هنا يريد أن يفصل بين الكائنات البشرية التي تكون أكثر مواءمة لهدف معين عن الكائنات البشرية الأخري. وأن يجمع المجموعة الأولي في مجتمع أخلاقي واع لذاته، بمعني: مجتمع توحد بينه الثقة المتبادلة، والرغبة في التضامن ومساعدة أقرانه، وغالبا ما تكون الإجابة عن السؤال بـquot;من؟quot;، هي محاولة لتشكيل أو إعادة تشكيل quot;هوية أخلاقيةquot; في المقام الأول.
والتضامن ndash; Solidarity هو قيمة إنسانية تساهم بقوة اليوم في بناء المواطنة الحقيقية، وتضمن استقرار المجتمعات وتطورها، كما أنه أحد القيم الستة الكبري في الألفية الثالثة، وهي: الحرية، المساواة، التضامن، التسامح، احترام الطبيعة، تقاسم المسؤولية.
وحسب موسوعة quot;ويكيبيدياquot;: فإن التضامن هو سلوك إنساني نبيل مبني علي التعاون والتآزر بين الأفراد والجماعات ماديا ومعنويا، يعمل علي تخفيف المعاناة عند الشدائد والكوارث وتقديم المساعدة عند الحاجة، ويكون التضامن عفويا أو منظما، كما ان التضامن مسئولية الأفراد والجماعات كل حسب موقعه وإمكانياته، فضلا عن أن التخلي عن روح التضامن هو بالأساس تخلي عن روح الإنسانية.
الفيلسوف الكندي quot;تشارلز تيلورquot; تساءل في كتابه الأخير وعنوانه quot;نحو عصر علمانيquot;: عن quot;مشروع سياسي مختلف، يكون في حده الأدني مهيأ لتوليد ( تضامن ) بين غرباءquot;.. فليس المقصود هو أن نمنع الشعوب والثقافات من التلاقي والاختلاط، بل أن نفهم كيف نوجّه لقاءهما هذا نحو الحياة الصالحة، وهذا هو لب كتابه الأخير.
يقول تيلور: quot;إن التضامن شرط أساسي لابد من توفره في المجتمعات الديمقراطية، وإلا فإنها تنهار لا محالة. فهي تعجز عن العمل في غياب مستوي معين من الثقة المتبادلة أو في ظل شعور بعض أعضاء المجتمع بأن أعضاءه الآخرون قد تخلوا عنهمquot;.
quot;إن كل المجتمعات الديمقراطية اليوم تواجه تحدياً متمثلاً في إعادة تعريف هوياتها في الحوار مع بعض العناصر الخارجية، وبعض العناصر الداخلية. ولنتأمل هنا التأثير الذي خلفته الحركات النسائية علي الغرب بمختلف أنحائه. فهؤلاء ليسوا أناساً قادمين من خارج بلدانهم، بل إنهم أناس كانوا يفتقرون علي نحو ما إلي حق المواطنة الكاملة، ولكنهم طالبوا بها، ونجحوا في إعادة تعريف النظام السياسي بالحصول علي ذلك الحق.
إن شعور أي مجتمع بالتضامن لا يمكن أن يدوم إلا إذا عملت كل قواه الروحية علي إعادة صياغة شعورها بالإخلاص لقضية التضامن: أي إذا نظر إليه المسيحيون باعتباره مركزاً لمسيحيتهم، وإذا نظر إليه المسلمون بوصفه محوراً لإسلامهم، وإذا نظرت إليه مختلف الفلسفات العلمانية باعتباره مركزاً لها.
هذه المعاني، وغيرها، جالت في خاطري وأنا أطالع الدعوة الكريمة التي وصلتني من الصديقين الكبيرين مجدي خليل وعادل جندي، منظمة التضامن القبطي ndash; كوبتك سوليدرتي، لحضور المؤتمر الدولي بالعاصمة الأمريكية واشنطن يومي 8و9 يوليو الجاري، تحت عنوان: quot;هل سيدفع مسيحوا الشرق ثمن الربيع العربى؟quot;، ويشارك فيه نخبة من من السياسيين وأعضاء الكونجرس ونشطاء حقوق الإنسان وأعضاء لجنة الحريات الدينية الأمريكية ورؤساء مراكز أبحاث أمريكية وأكاديميون متخصصون وعدد كبير من المنظمات الحقوقية الدولية المهتمة بمسيحيي الشرق.
وللحديث بقية....

[email protected]