ما يجمع جماعات الإسلام السياسي بكل فصائله وتلويناته، هو بالضبط ما يهدد الربيع العربي في مقتل، لان الإسلام السياسي في جوهره: هو حركات دينية متفقة في الغاية،

الحلقة الأولى

مختلفة في الوسيلة. الهدف المشترك إقامة دولة دينية في المنطقة. التباين في الوسيلة يتراوح بين اعتماد الجهاد الحربي بالعنف والسلاح عند بعض هذه الحركات، واستخدام الدعوة والدعاية والسياسة عند حركات أخرى.
في ضوء ذلك فإن السيناريوهات الثلاث المحتملة في المنطقة، تتمثل في تغيير الجغرافيا بالتقسيم أو تعديل الحدود (مثل العراق والسودان)، وإما تغيير البشر بالإنصهار القسري أو الإبادة أو الهجرة (مسيحيو الشرق الأوسط والأكراد والبربر)، وأخيرا بتغيير المؤسسات بجعلها أكثر ديمقراطية اعتمادا علي فكرة المواطنة الحديثة.
علينا أن نتذكر في هذا المؤتمر ان السيناريوهين الأول والثاني هما سبب اجتماعنا هنا، أما السيناريو الثالث الذي يبدو مثل حلم بعيد المنال فإن تحقيقه يبدأ من هنا أيضا، لعلكم تتذكرون العمل العظيم للسياسي الأمريكي المخضرم quot; جورج مارشال quot; الذي قدم في عام 1947 خطة لإنقاذ البشرية كلها، وهي (مشروع مارشال) التي لم ننجز منها إلا نصفها الأول فقط، لقد وضعنا الربيع العربي: أمام منعطف خطير وغير مسبوق، فإما ان نتقدم إلي الأمام وننجز ما بدأناه علي أكمل وجه، وإما أن نفقد بسهولة ما أحرزناه منذ عام 1947 وحتي اليوم، ولا أبالغ إذا قلت أننا سنضيع ndash; في هذه الحالة - المستقبل والماضي معا.
لقد كان مشروع مارشال الاقتصادي - في جوهره - حربا من أجل العقول، حيث كانت الشيوعية هي الإيديولوجية المعادية بعد الحرب العالمية الثانية، نحن الآن في الجولة الثانية من الحرب من أجل العقول وهي الأخطر والأصعب، حيث الفاشية الدينية والاستبداد السياسي يشكلان حلقة واحدة لا انفصام فيها، ومثلما كان هدف مشروع مارشال هو quot; تجفيف المستنقعات quot; التي كانت الشيوعية تستمد منها الدعم، علي أمريكا والعالم الحر من أجل مستقبل السلام في العالم، quot; تجفيف المستنقعات quot; التي يترعرع فيها الإرهاب الديني والاستبداد السياسي.
أن الأقباط يمكن أن يلعبوا دورا محوريا في الجولة الثانية من الحرب من أجل العقول، فهم أكبر أقلية داعمة للدولة المدنية والمواطنة الديمقراطية، لأن الأقباط الذين تمردوا علي مؤسستهم الدينية وأكتشفوا أنفسهم في ثورة 25 يناير 2011، أكتشفوا أيضا أن الوطن هو الحماية الحقيقية لهم وليس الدين، وهم لن يقبلوا أبدا بالدولة الدينية الإسلامية مهما كلفهم الثمن، فالمؤسسة الدينية لا تحمي المواطنين بقدر ما تضحي بالوطن والمواطن علي الأرض خدمة للسماء.
وبإعتبار الأقباط هم الكتلة المدنية الأكبر التي لا يمكن أن تغير مواقفها أو خياراتها، يمكن أن تصبح النواة الصلبة التي تلتف حولها القوي المدنية الأخري، كالليبراليين واليساريين والمسلمين المعتدلين واللادينيين وغيرهم، ممن عانوا من الفاشية الدينية، بالإضافة إلي معظم مسيحي الشرق وسائر الأقليات الأخري في المنطقة، ناهيك عن أن تغيير وضع الأقباط سيغير بالضرورة وضع معظم الأقليات بإتجاه المواطنة الديمقراطية الليبرالية.
ان استقرار وضع الأقليات الدينية والعرقية في المنطقة يحافظ علي التنوع والثراء والتعدد، وهو الكفيل بظهور مجتمعات جديدة لا يسيطر عليها فيصل واحد أو جماعة دينية واحدة، مجتمعات تتوازن مكوناتها الثقافية التاريخية وتمثل فيها كل الاتجاهات والتيارات علي اختلافها تمثيلا مناسبا، وهي خط الدفاع الأول في انجاز الجولة الثانية من الحرب من أجل العقول، انقاذا للإنسانية المهددة بكافة أنواع الحروب والصراعات في المستقبل ومصدرها الأول هو: الشرق الأوسط الكبير.

[email protected]