في منتصف عام 2009 منع كتاب quot;من داخل مصر.. أرض الفراعنة على حافة الثورةquot; للكاتب الصحفي البريطاني quot;جون برادليquot; من الدخول إلي مصر، وسحبت الجامعة الأمريكية من مكتبتها بالقاهرة بعض النسخ (15 نسخة) بعد صدور قرار بالحظر، قبل أن يتم السماح بنشره تحت ضغوط إعلامية في الداخل والخارج، حيث تنبأ برادلى فى هذا الكتاب بثورة جديدة فى مصر تخسر فيها أمريكا هيمنتها على أكبر دولة عربية وعلى الشرق الأوسط ، وقال حرفيا: quot; أن المجتمع المصرى بدأ فى (التحلل والذوبان ببطء) تحت عاملين توأمين هما ديكتاتورية عسكرية قاسية وسياسة أمريكية فاشلة فى المنطقةquot;.
برادلي أكد علي إن طبيعة المشهد في مصر عام 2009 تعيد التذكير بوضع إيران في أواخر أيام حكم الشاه عام 1979، وأن مصر ستصبح دولة دينية مثلما حدث في إيران مع الإمام الخوميني وحكم الملالي، وأن علي واشنطن أن تغير سياساتها الخاطئة مع مصر بان تربط بين المعونات الإقتصادية والإصلاح السياسي الجذري، لأن مبارك يبرر (كاذبا) لواشنطن إجراءاته القمعية ضد شعبه، بأنها خير ضمان لعدم وصول الإخوان المسلمين إلي الحكم، بينما الحقيقة حسب برادلي، هي: أن دعم واشنطن المستمر ل quot;الديكتاتور المصريquot; سيكون أقصر طريق لصعود الإخوان للحكم.
في تصوري أن الجزء الثاني من نبوءة برادلي التي تحققت بالفعل بدءا من 25 يناير 2011، صدر الأسبوع الماضي ndash; ويا للمفارقة - من روسيا بتوقيع quot; سيرغي سيرغيتشيف quot;، الخبير في معهد الشرق الأوسط، جاء فيه: أن الاقتصاد المصري بعد الثورة يتدهور بسرعة، بينما البحث عن ثروات مبارك وملياراته quot; خرافة quot; يريد منه المجلس العسكري الحاكم إيهام المتظاهرين بأن العدالة ستأخذ مجراها، وكل الأمور ستكون على مايرام. وفي واقع الحال، إن الاضطرابات تقوض حتى المنظومة التي انشئت في عهد الرئيس السابق. إن هرم السلطة في مصر أنشأه الجيش وأجهزة الأمن ورجال الأعمال المرتبطون بهاتين المؤسستين. وبالرغم من كل نواقصها فقد وفرت تلك المنظومة الاستقرار في المجتمع، والمساعدة بشكل منتظم لفئات السكان الفقيرة.
سيرغيتشيف يحلل الوضع الاقتصادي الراهن في مصر، ويربط بين الفساد في عهد مبارك وعجز المجلس العسكري والحروب الأهلية القادمة، في صياغة مبتكرة تنذر بكوارث متوقعة بدأ المصريون يستشعرون خطورتها، إلي الحد (بالترحم علي أيام مبارك) أو تمني عودة النظام القديم مرة أخري، يقول: الاقتصاد المصري يعتمد أساسا على قناة السويس، والأموال التي يحولها المصريون العاملون في الخارج، والسياحة ، والزراعة، وتصدير كميات قليلة من النفط والغاز. ولم يبق اليوم سوى القناة وتحويلات الخارج، ما أدى إلى إفلاس الميزانية. وإضافة إلى ذلك فرض الثوار حتى 20 يوليو الحجز على حسابات 264 رجل أعمال مصري، منهم وزراء ورجال أعمال. وإن المجلس العسكري الانتقالي عاجز عن إصلاح الوضع ، وذلك لأسباب عدة، منها تدمير البناء الذي اقامه مبارك.
المساعدات الأمريكية لمصر (3 مليارات دولار سنويا) المصدر الرئيسي للفساد في البلاد، برأيه ، وهي ما كان ينهب في المقام الأول. وقد ساعد مبارك رفاقه المقربين في قضم أجزاء من تلك التورتة، وتكديس ثرواتهم الخاصة. وحين لم يبق شيء يغنمه موالو الأمس راحوا يحاكمون سيدهم.
يؤكد سيرغتيشيف quot; أن الدور سيصل إلى الجنرالات من رفاق مبارك السابقين، إذا تابع المتظاهرون المحتجون البحث عن مذنبين، أي ستسقط مجمل المنظومة التي يدعمها العسكريون حاليا. أما الخطوة التالية فهي الحرب الأهلية، وظهور حركات سياسية غريبة ، كحركة انفصال دلتا نهر النيل، وحركة استقلال شبه جزيرة سيناء.quot;
من يراقب منحني حركة الأحداث في بر مصر منذ شهر مارس الماضي وحتي اليوم، وبالتحديد استهداف الأمن القومي المصري، من تكرار محاولات قطع خطوط الغاز عن اسرائيل، واقتحام السفارة الإسرائيلية في القاهرة، ثم ظهور الشرطة الدينية (6000 مسلح من الجماعة السلفية) وتطبيق الأحكام الشرعية في رفح والشيخ زويد، والتي حلت محل الأحكام العرفية بين قبائل وبدو سيناء، واقتحام أقسام الشرطة في العريش وغيرها، ورفع أعلام ولافتات غير مصرية في معظم المظاهرات المليونية التي شهدتها (جمع) ميدان التحرير ، ناهيك عن استهداف العروة الوثقي للوحدة الوطنية بين المسلمين والمسيحيين بكل السبل الممكنة والاحتفاظ بفتيل الفتنة مشتعلا بإستمرار ولأتفه الأسباب، يتوقع ما هو أسوا من نبوءة سيرغتيشيف في غضون الشهور القليلة القادمة.

[email protected]