لا موسكو ولا بيجينغ ولا كلّ عواصم العالم تستطيع ان تفعل شيئا للنظام السوري ما دام الشعب السوري اتخذ قراره. تكمن مشكلة النظام السوري في انه يرفض استيعاب ان الارض السورية تغيّرت وان المواجهة قائمة عمليا بينه وبين شعبه الذي يواجه باكثريته الساحقة وبصدور عارية كلّ المحاولات الهادفة الى اذلاله. كلّ ما في الامر ان لا عودة الى خلف نظرا الى هناك شعبا عظيما يسعى الى استعادة كرامته وحريته لا اكثر. وكلّما استعجل النظام السوري في الرحيل، كلما كان ذلك افضل للسوريين والعرب عموما وذلك بغض النظر عن مشاربهم الفكرية وانتماءاتهم المذهبية والطائفية...
منذ بداية الثورة الشعبية في سوريا، سعى النظام الى كل انواع الالاعيب للهرب من الواقع. ظنّ في البداية ان مجرد اتهام النائب اللبناني جمال الجرّاح الذي ينتمي الى quot;كتلة المستقبلquot;و 14 آذار بتهريب اسلحة الى الاراضي السورية سيجيّش السوريين في وجه quot;المؤامرةquot;. لم ينفع ذلك في شيء مثلما لم ينفع ارسال فلسطينيين في مناسبتين الى الجولان كي يقتلهم الاسرائيلي، الذي يمارس ارهاب الدولة بدم بارد... فيما العالم يتفرّج!
لم ينفع النظام السوري تشكيل quot;حكومة حزب اللهquot; في لبنان برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي. ولم ينفع حتى الاستعانة بادوات الادوات مثل النائب ميشال عون الذي كان قائدا للجيش اللبناني في مرحلة ما وكان انتصاره الوحيد في تاريخه العسكري البائس انتصارا على اللبنانيين. عون quot;الاضحوكةquot;، في رأي موثّق ويكيليكسيا، لـquot;رجل دولةquot; اسمه نجيب ميقاتي، هجّر في الماضي اكبر عدد من اللبنانيين من لبنان بفضل حروبه العبثية. كان معظم هؤلاء من المسيحيين الذين لا يفقهون شيئا في السياسة ولا في الوضع الاقليمي مثل بطريرك الموارنة الجديد بشارة الراعي الذي لم يعد يرى في السنة 2011 عدوا للمسيحيين سوى اهل السنّة ولا يرى عيبا في توفير غطاء للسلاح الايراني في لبنان. هل يعي البطريرك الجديد ما يقوله، ام ان هناك من حشر له في فمه كلاما سطحيا مسطّحا يجد نفسه مجبرا على قوله لاسباب يرى بعضهم انها غامضة، فيما يعتبر بعض آخر انها اكثر من واضحة!
ربّما كان العامل الوحيد الذي سيطيل من عمر النظام السوري، وسيزيد في الوقت ذاته عذابات الشعب السوري للاسف الشديد، الضغط الذي يمارسه النظام الايراني على الحكومة التركية. وقد حال هذا الضغط، اقلّه الى الان، دون اقامة quot;منطقة عازلةquot; على طول الحدود السورية- التركية تشكل ملجأ آمنا للسوريين الهاربين من الاضطهاد. الى متى ستبقى تركيا قابلة بالضغوط الايرانية، خصوصا ان المسؤولين فيها، على راسهم رئيس الجمهورية عبدالله غلّ ورئيس الوزراء رجب طيب اردوغان، مقتنعون بان ما تشهده سوريا على الصعيد الداخلي quot;جزء لا يتجزّا من الامن التركيquot;، وذلك لاسباب عدة بينها ان طول الحدود بين البلدين يزيد على ثمانمئة وخمسين كيلومترا!
عاجلا ام آجلا، سيتوجب على تركيا اتخاذ قرار واضح في شأن الوضع السوري. سيتوجب عليها الخروج من حال الضياع والتردد اللذين خلقتهما لنفسها. يمكن ان يساعد ذلك ثوار سوريا، اي اكثرية الشعب التائقة الى الحرية والحياة الكريمة في التخلص من الظلم والظلام والظلامية.
ولكن يبقى اهمّ من ذلك كله ان التاريخ لا يمكن ان يعود الى خلف وان الرهان على انهاك الثورة الشعبية في سوريا ليس رهانا في محله بغض النظر عن تشتت المعارضة. كيف يمكن لنظام ما الاستمرار في اخضاع شعب حيّ طوال اكثر من اربعين عاما علما بان هذا النظام لا يمتلك اي وسيلة لحل اي من المشاكل التي تعاني منها سوريا. ليس لدى النظام حلّ لمشكلة الحريات او النمو السكاني والبناء العشوائي ولا للمشاكل الاقتصادية او الزراعية او التربوية.
ليس في استطاعة هذا النظام quot;المقاومquot; و الممانعquot; لا الذهاب الى الحرب ولا صنع السلام بدليل اغلاق جبهة الجولان منذ 1974 بفضل اتفاق فصل القوّات الذي توصل اليه هنري كيسينجر. ليس لدى النظام سوى سياسة واحدة تقوم على الغاء الآخر والاحتماء بايران وادواتها من جهة او المتاجرة بالفلسطينيين واللبنانيين وكل من تقع يده عليه من جهة اخرى. منذ متى يشكّل الابتزاز سياسة رسمية لدولة ما؟
كان لبنان ولا يزال المكان الافضل الذي يسمح بمعرفة حقيقة هذا النظام السوري الذي الذي لم يفعل شيئا منذ ما قبل العام 1970 سوى اغراق الوطن الصغير بالاسلحة. لم يكن مهما الى من تذهب الاسلحة ما دام المطلوب تدمير مؤسسات الدولة اللبنانية والقضاء على كل ما هو حضاري في البلد وايجاد الانقسامات بين طوائفه وتحويل المسيحيين الى اهل ذمّة عبر اغتيال قادتهم الواحد تلو الآخر وتدمير قراهم وتهجيرهم من احياء معيّنة في مدن معيّنة.
كان مطلوبا دائما ان يكون لبنان ورقة سورية لا اكثر. مشكلة النظام السوري انه لم يدر ان البلد صار ورقة ايرانية منذ اضطر الى الانسحاب منه عسكريا وامنيا اثر اغتيال رفيق الحريري ورفاقه في شباط- فبراير من العام 2005.
صمد اللبنانيون. انهم يقاومون السلاح الايراني مثلما قاوموا قبل ذلك السلاح الفلسطيني الذي فرضه اتفاق القاهرة في العام 1969. لا يحتاج لبنان في العام 2011 الى ادوات من اي نوع كان توفّر غطاء للسلاح الايراني. كل ما يحتاجه هو الى رجال دولة يقفون مع ثورة الشعب السوري نظرا الى انها تمثّل حركة التاريخ. مثلما سقط النظام في تشيكوسلوفاكيا وبولندا والمانيا الشرقية ورومانيا اثر انهيار جدار برلين، سيسقط النظام السوري.
يحتاج لبنان هذه الايام الى رجال دولة يعرفون تماما ان الموضوع ليس موضوع وقوف المسيحي مع اهل السنّة او مع الشيعة وانّ ذلك ليس خيارا. الخيار الوحيد امام المسيحي اللبناني، المؤمن بالعروبة الحضارية، وليس بوهم تحالف الاقليات المضحك- المبكي المكمل للمشروع الاسرائيلي، هو الوقوف مع الدولة ومع بناء مؤسساتها.
لا شيء يحمي اللبناني، بغض عن النظر عن طائفته او مذهبه سوى الدولة. وترجمة ذلك رفض اي سلاح غير شرعي مثل سلاح quot;حزب اللهquot; الذي لا يخدم سوى المشروع المذهبي الايراني الذي يسيء الى الشيعة اوّلا، نظرا الى ان في اساسه تهجير مسيحيي لبنان ودروزه من ارضهم في غياب قدرته على الدخول في مواجهة مباشرة مع السنّة. انه يكتفي، في الوقت الراهن، باختراقات هنا وهناك وهنالك بهدف اخضاع السنّة عسكريا على غرار ما حصل في بيروت في ايار- مايو من العام 2008 وقبل ذلك بسنوات عدة! انه مشروع اقليمي من دون افق انتهى مع انتهاء النظام السوري اليوم او غدا او بعد غد!