ما الذي يريده الاخوان المسلمون في الاردن؟ في ضوء تصرفاتهم الاخيرة ونزولهم الى الشارع بالطريقة التي نزلوا بها، يخشى من ان لا تكون لديهم مهمة جديدة غير مساعدة اسرائيل في اقامة الوطن البديل وفق الخطة التي حلم بها دائما ارييل شارون. سيفشلون في ذلك حيث فشل كثيرون قبلهم ممن اعماهم الجوع الى السلطة ولا شيء آخر غير السلطة.
يبدو ان هناك حنينا لدى الاخوان الاردنيين لشارون. وصل بهم الحنين الى درجة السعي الى تحقيق ما لم يستطع الرجل، الذي دخل في غيبوبة منذ ست سنوات، من تحقيقه. كان وقتذاك لا يزال يمتلك كل قواه العقلية. لكن المملكة الاردنية الهاشمية هزمت مشروعه عندما تصدّى له الملك الحسين، رحمه الله، واكمل المواجهة الملك عبدالله الثاني الذي يعرف قبل غيره ان لا بديل من السلام في المنطقة وان الدولة الفلسطينية المستقلة quot;القابلة للحياةquot; شرط من شروط السلام، بل الشرط الاساسي للاستقرار الاقليمي.
قبل ايّام نزل الاخوان المسلمون الى الشارع. كانت طريقة نزولهم مريبة، كذلك التوقيت والشعارات التي رفعوها والتي تهدد السلم الاهلي في البلد. نسوا ما فعله لهم الاردن وكيف حماهم في وقت كانوا ملاحقين في كلّ العالم العربي. هل هناك من كلمة تنطبق على تصرفاتهم الاخيرة، خصوصا بعد ظهورهم في مظهر ميليشيا تبحث عن سلاح، غير كلمة الجحود؟
هل ردّ الجميل الى الاردن يكون عن طريق التهديد والوعيد بدل المشاركة في تطوير التجربة التي يمرّ بها البلد في ظروف اقليمية في غاية التعقيد؟ الاكيد ان التظاهرات التي يرافقها تهديد باللجوء الى العنف لا تحلّ اي مشكلة في الاردن، لا لشيء سوى لانّ الملك عبدالله الثاني اتخذ منذ البداية قرارا باجراء اصلاحات واسعة على كلّ صعيد. هل من يتذكر ان تعديلات ادخلت حديثا على نحو اربعين مادة من الدستور الاردني؟ هل من يريد قراءة ما تضمنته التعديلات للتأكد من ان الهدف من الاصلاحات تعزيز الديموقراطية والقضاء، قدر الامكان طبعا، على الفساد والمساهمة في الوقت ذاته في تطوير التجربة الديموقراطية في بلد يواجه سلسلة من التحديات على الصعيدين الداخلي والخارجي؟
نعم هناك فساد وهناك تقصير في بعض الادارات وهناك مشكلة اقتصادية كبيرة في بلد لا يمتلك نفطا ولا ثروات طبيعية ويعتبر بين الافقر في العالم من ناحية مصادر المياه. ولكن من ينظر الى الصورة الشاملة يكتشف ان الاردن استطاع التقدم على كل صعيد، خصوصا في مجال تطوير الانسان.
هناك حياة سياسية غنية ، الى حدّ ما طبعا، وذلك منذ اتخذ الملك الحسين قرارا بالعودة الى الحياة النيابية والحزبية. جرت في العام 1989 انتخابات نيابية حقق فيها الاسلاميون نتائج طيبة. لم تقف مؤسسات الدولة في وجههم، بل احتضنتهم ودعتهم الى المشاركة في كل القرارات. سبق الانتخابات، التي اقتصرت للمرة الاولى على الضفة الشرقية، القرار الذي اتخذه الحسين في تمّوز- يوليو 1988 والقاضي بفك الارتباط مع الضفة الغربية. وضع العاهل الاردني الراحل حجر الاساس للدولة الفلسطينية المستقلة وذلك برسمه حدودها. لم يكتف الحسين بذلك، بل ذهب الى توقيع اتفاق سلام مع اسرائيل حفظ للمملكة حقوقها في الارض والمياه في العام 1994 ، فعل ذلك لتأكيد ان الاردن ليست الوطن البديل وان وطن الفلسطينيين هو فلسطين.
قاومت الاردن كل العواصف العاتية التي مرّت بها المنطقة بدءا بالمغامرة المجنونة لصدّام حسين في الكويت في العام 1990 وصولا الى الحرب الاميركية على العراق في العام 2003 وانفلات الغرائز المذهبية من عقالها وصعود النفوذ الايراني الذي لا هدف له سوى شطب العرب من خريطة المنطقة والحلول مكانهم. هل هذا ما يريده اخوان الاردن من خلال تظاهراتهم الهادفة الى تقويض مؤسسات الدولة التي حمتهم ورعتهم، واضعين انفسهم في خدمة ايران واسرائيل في الوقت ذاته؟
آن اوان نزول الاردنيين الآخرين الذين يمثّلون الاكثرية الصامتة الى الشارع لوضع حدّ للمزايدات والتصرفات غير المسؤولة وتاكيد ان المواطن الاردني العادي يعرف معنى وجوده في بلد ديموقراطي واعد يقوم على جبهات عدة. آن اوان القول للاخوان وغير الاخوان انهم سيفشلون حيث فشل غيرهم وان كلّ ما يستطيعون عمله هو تأخير الاصلاحات ووضع العقبات في وجهها لا اكثر. اكثر من ذلك، آن اوان التاكيد للاخوان ان كلّ ما يفعلونه يصبّ ايضا في خدمة النظام السوري الذي يذبح اخوانهم من الاخوان السوريين ويعمل في الوقت ذاته على تصدير ازمته العميقة الى دول الجوار، على راسها الاردن ولبنان!
لا تشبه تصرفات الاخوان في الاردن هذه الايام سوى تصرفات القومجيين واليساريين في الستينات والسبعينات من القرن الماضي. هؤلاء عطّلوا الحياة السياسية في الاردن وضغطوا لاحقا في اتجاه دخول المملكة حرب العام 1967 مما تسبب في خسارة القدس الشرقية والضفة الغربية!
هؤلاء القومجيون ارتكبوا كلّ انواع الحماقات بعد حرب 1967 عندما تحوّلوا الى يساريين وتسببوا في المواجهة بين الجيش العربي (الجيش الاردني) والعناصر الفلسطينية المسلحة فدفع ياسر عرفات ثمنا كبيرا لذلك. كان القومجيون واليساريون المزايدون، الذين عاشوا في الستينات والسبعينات من القرن الماضي، وهم نسخة طبق الاصل عن الاسلاميين الاردنيين في السنة 2011 ، يريدون قلب النظام في الاردن والمرور في عمان بغية الوصول الى القدس. كان شعارهم quot;كل السلطة للشعبquot; وما شابه ذلك. ماذا كان بقي من الاردن ومن القضية الفلسطينية لو انتصرت، لا سمح الله، المنظمات الفلسطينية على الجيش العربي في العام 1970؟
بعض الهدوء ضروري هذه الايّام. والهدوء يعني اوّلا وقف المزايدات والاعتراف بانّ الفوضى في الشارع الاردني لا تخدم ايّ هدف وطني من اي نوع كان. اللهمّ الاّ اذا كان المطلوب تحقيق حلم شارون وهو في غيبوبته...