من احبّ السنة 2011 التي تشارف على نهايتها، سيعشق من دون شكّ السنة 2012. انها سنة الانقلاب الكبير الذي ستشهده المنطقة كلّها في ضوء الانسحاب الاميركي من العراق. ستظهر بوضوح في السنة 2012 النتائج الحقيقية التي ستترتب على انهيار العراق بصفة كونه احدى ركائز النظام الاقليمي الذي قام عليه الشرق الاوسط بعد انهيار الدولة العثمانية.
ما شهدناه حتى الآن من ثورات ليس سوى تمهيد للتغيير الكبير الذي سيشهده الشرق الاوسط في السنة 2012، السنة المتوقعة لسقوط النظام السوري المرتبط عضويا بحال التخلف التي يعاني منها العرب. لم يعد امام النظام السوري الذي دخل في مواجهة مع شعبه سوى رهان واحد. يتمثل هذا الرهان في وضع النظام الايراني يده على العراق بعد الانسحاب العسكري الاميركي منه اواخر السنة الجارية، اي في غضون اقلّ من ثلاثة اسابيع. بكلام اوضح، لم يعد امام النظام السوري من خيار سوى ان يكون مرتبطا مباشرة بالنظام الايراني عن طريق العراق. هل يتحوّل العراق مستعمرة ايرانية ام لا بعد الانسحاب العسكري الاميركي القريب؟
لم يتمكن العرب من الخروج من تخلفهم منذ عجزوا في العام 1947 عن فهم معنى قرار التقسيم الصادر عن الامم المتحدة. لم يفهموا ان عليهم التعايش مع موازين القوى الاقليمية والدولية ومحاولة التعاطي معها بايجابية بدل الهرب الى الشعارات او الى اختلاق الازمات في محيطها خدمة لاسرائيل اوّلا.
من يتمعّن في ممارسات النظام السوري في السنوات الثماني والاربعين الاخيرة، اي منذ وصول حزب البعث الى السلطة، يجد ان هذا النظام جعل سوريا في خصام مستمر مع جيرانها العرب. سعى هذا النظام الى احتلال لبنان والى وضع يده على القرار الفلسطيني. ضغط بشكل يومي على الاردن من اجل ان لا ترتاح ابدا. كان خصما لدودا للعراق، حتى في ايام البعث العائلي، ايّام صدّام حسين. لم يصلح علاقاته مع تركيا الاّ بعد تهديد علني صدر عن الاخيرة باجتياح الاراضي السورية اذا لم يتوقف دعم دمشق لاكراد عبدالله اوجلان. نتيجة التهديدات التركية، لم يكتف النظام السوري بالتخلي عن لواء الاسكندرون، quot;اللواء السليبquot; الذي كان يطالب دائما به، بل تخلّص من اوجلان نفسه وسلّمه بطريقة مباشرة الى السلطات التركية.
منذ العام 1973، لم تكن هناك سوى جبهة سورية واحدة ساكنة ساكتة هي جبهة هضبة الجولان، وهي اراض سورية محتلة. تكرس الهدوء على جبهة الجولان في العام 1974 لدى توقيع اتفاق فصل القوّات بوساطة quot;العزيزquot; هنري كيسينجر وزير الخارجية الاميركي وقتذاك. منذ 1974، لم يترك النظام السوري مناسبة الاّ وسعى فيها الى اضعاف الفلسطينيين وتأليب المجتمع الدولي عليهم. اكثر من ذلك، لم يتردد في استخدام المنظمات الفلسطينية في كلّ ما من شأنه خدمة مشروع ضرب الاستقرار والازدهار والعيش المشترك في لبنان. الى الآن، لا تزال هناك قواعد لمجموعات فلسطينية تابعة للاجهزة السورية داخل الاراضي اللبنانية وذلك بهدف واحد هو الاساءة الى لبنان واللبنانيين... والقضية الفلسطينية في طبيعة الحال!
هل يستطيع النظام السوري كسب رهانه على ايران؟ في حال تبيّن ان ايران قوة صاعدة في المنطقة، يمكن ان يكون هذا الرهان في محلّه. لكنّ هناك عاملين يجعلان من هذا الرهان شبه مستحيل. الاول ان ايران ليست قوة صاعدة في المنطقة. ليس لدى ايران ما تقدّمه باستثناء اثارة الغرائز المذهبية اكان ذلك في العراق او لبنان او البحرين وحتى في السعودية والكويت وصولا الى مصر والسودان ودول عربية اخرى. وفي ما يتعلّق بدولة الامارات العربية المتحدة، فانّ ايران قوة احتلال بسبب قضية الجزر الثلاث العالقة منذ العام 1971. الاهم من ذلك، ان ليس لدى ايران ما تقدّمه الى شعبها. يزداد الفقر يوميا في ايران. تزداد عزلة ايران الدولية ويزداد الخوف العربي منها. الشعب الايراني في نهاية المطاف متعلّق بثقافة الحياة بديلا من ثقافة الموت التي يحاول ايرانيو النظام فرضها حيثما وصلت يدهم.
اما العامل الآخر الذي يجعل النظام السوري يراهن على وهم اكثر من اي شيء آخر، فهو عائد الى انّ مشكلة النظام هي مع الشعب السوري اوّلا. الشعب السوري اتخذ قراره وليس ما يشير الى ان هناك عودة عن هذا القرار. الشعب السوري يريد تغييرا جذريا والعيش في بلد طبيعي بديلا من حال الطوارئ التي لا تخدم سوى الرغبة في استعباد المواطن الى ما لا نهاية.
كانت ايران شريكا في الحرب الاميركية على العراق. كانت الدولة الاقليمية الوحيدة التي ايّدت الحرب من دون تحفّظ. لم تتردد في تاييد كل القرارات والخطوات الاميركية التي صبّت في تمزيق العراق بدءا بقيام مجلس الحكم المحلي. كان الهدف من قيام المجلس تكريس الطائفية والمذهبية والمناطقية في العراق من جهة وتقليص دور السنّة العرب وحجمهم قدر الامكان من جهة اخرى. كانت ايران الداعم الفعلي للمجلس. لم تكتف، قبل ذلك، بتقديم تسهيلات للاميركيين خلال الحملة العسكرية في العام 2003...
ولكن هل يعني ذلك ان الولايات سلّمت العراق الى ايران على صحن من فضة؟ وحدها احداث السنة 2012 ستكون قادرة على الاجابة عن السؤال. الشيء الوحيد الاكيد انه لن يكون مسموحا لدولة مثل ايران بلعب دور اكبر من حجمها. جاء الاميركيون الى العراق لاسباب تتعلق باعادة رسم خريطة المنطقة. هل سيتركون ايران ترسم هذه الخريطة وتضع يدها على النفط العراقي وتصبح الجهة المتحكمة بالخليج والمنطقة وحتى باقتصاد العالم؟ اذا كان ذلك مسموحا به، سيكون في استطاعة النظام السوري انقاذ نفسه من خلال الاحتلال الايراني للعراق!