عثمان العمير - نيويورك

هذا المبنى، ادلف من بابه، قلت عنه: هنا الغد، هنا المستقبل.
كل شيء يدور ويحور داخل فكرة المستقبل.
هذا مبنى غوغل في "عاصمة العالم" نيويورك. إنه عمارة كانت تحتلها مصلحة المياه في المدينة، لكن غوغل اشترتها ب1.9 بليون دولار. العمارة ما زالت محتفظة بالشكل القديم، والظاهر كما هو، لكن المَخبر كله تفاصيل لا تتعامل الا مع الحداثة، فكراً ومظهراً وأسلوباً.
إنها قلعة لاعلاقة لها بما نراه ونعيشه ونتخيله من حولنا. هذه القلعة تعجّ بآلاف الشباب، يدخلون، ويخرجون، ويمرحون، ويركضون ويبتسمون .. لكنهم يعملون وكأن هذا يومهم الاول في العمل.
تراهم يرسمون خارطة جديدة من التصرفات والممارسات خارج جهامة العمل وملله.
كل شيء يتحرك عبر ماسورة تكنولوجية مترابطة، فلا صفوف من الكتب، ولا جرائد فوق الطاولات، ولا مكاتب وثيرة، ولا سكرتيرات كواعب، ولا بدلات أنيقة وربطات عنق حريرية. وطبعاً، لا قهوة او شاي، ولكن إذا أردت ذلك فأمامك الآلة أطلب منها فتعطيك.
الجميع منتشر في المكاتب وعند الأبواب وفي الممرات وجوانبها، لا أسلحة بحوزتهم الا هذه الأجهزة التي يتواصلون فيها مع عملهم وعالمهم.
كبار المسؤولين في القلعة، يأتون إليك ليأخذوك من مكتب الاستقبال، ومنه إلى مكاتبهم.
قد لا تكون، بالضرورة، سعيداً وانت ترى هذه البساطة اللافتة، لكنك حقاً "في عهدة" أهم "دولة" في العالم .. اسمها غوغل. "دولة" خلقت في بلد سر عظمته البساطة المتوائمة مع التغيير المتواصل.
استقبلني جاريد كوهين، الشاب الذي لم يتجاوز 30 سنة، إذ ولد في عام 1981، وقادني إلى مكتبه. وكانت غوغل قد أخذته في العام الماضي من الخارجية الأميركية حيث عمل لمدة أربع سنوات في عهد الرئيس جورج بوش الإبن وتولي كوندوليسا رايس حقيبة الخارجية، واستمر في حقبة تولي هيلاري كلينتون الوزارة. جاء هذا الشاب، المتخرج في جامعتي ستانفورد وأوكسفورد ليؤسس إدارة جديدة سميت "إدارة الأفكار". ماذا تعني هذه الإدارة؟ ولماذا أسست؟ سؤالان أجاب عليهما هو بعد انتهاء مسيرنا، عبر هذه الممرات.
بالطبع كنت فرحاً وانا "اتلصص" محاولاً ان أرى أوراقاً أو صحفاً على الطاولات أو في أيدي العاملين. وسعدت أننا إبان الاجتماع كان مستشاره، الذي على يساره صحافي سابق، نفذ بجلده من الصحافة الورقية (النيويورك تايمز) لاجئاً إلى الفردوس الجديد الذي هو غوغل. همس بأذني بما معناه "إنني أشاركك رأيك وحماستك للصحافة الإلكترونية".
حماسة الشباب وتدفق أفكاره جزء اصيل من شخصية جاريد، الذي يلخص بشحمه ولحمه رؤية غوغل للعالم. ببساطة: انهم يريدون تغييره بالكامل.
يريدون تغييره عبر تقديم تعليمات عن طريقة استخدام تكنولوجيا الاتصال بما يحسّن حياة المواطن لنواحي العناية الصحية والتعليم والحياة الاجتماعية ونقل المعرفة والخبرة، وكذلك تمكين المواطنين من المشاركة وإسماع صوتهم في بلدانهم.
تسخير موارد غوغل في الشرق الأوسط وافريقيا وغيرها من البلدان النامية لخدمة الديمقراطية وتحسين ظروف العيش.
تسخير تكنولوجياتها المتقدمة لمساعدة أولئك الذين يعيشون في ظل أنظمة قمعية على التواصل وفهم تحدياتهم بصورة أفضل.
اعداد مشاريع تستخدم الإنترنت لمكافحة الفساد والجريمة والجرائم الإلكترونية وتعميم الديمقراطية وحرية التعبير واستقلال القضاء.
هكذا ترى غوغل العالم وتريد من العالم أن يراها.
لقد اصبح لدى هذه الشركة العملية ما يكفي لكي تلعب دوراً مؤثراً وخطيراً. فما الذي سيحدث لو ان هذه الشركة، وشركات تكنولوجية أخرى تعتمد فلسفتها، أسست منظمة في ما بينها على غرار مجلس الأمن؟
الحديث، او الحوار، طال. وبعده ودّعت جاريد، وفي علمي انه يعد للزواج، وهو يخطط مع خطيبته الآن مكان الزواج لكن فكري ذهب بعيداً بعيداً ... كيف هبط علينا هؤلاء الشياطين الأفذاذ؟ وما الذي سيفعلونه بنا اكثر مما فعلوا؟


غوغل وتأثير تكنولوجيا المعلومات