على الرغم من قلة خبرة السلفيين السياسية والانتخابية بالقياس إلى laquo;الإخوان المسلمينraquo; فإنهم باتوا خصما يحسِبُ laquo;الإخوانُraquo; والقوى الأخرى، حسابَه.

وإذا كانت القوى السياسية غير الإسلامية تتوجس خيفة من صعود السلفيين فإن laquo;الإخوان المسلمينraquo; يتحسبون من منافس يستهدف القاعدة المتدينة التي يستهدفونها.

وبقدر ما تُغذِّي مواقفُ السلفيين الـlaquo;متشددةraquo; مخاوفَ الليبراليين والعلمانيين في مصر، فإن laquo;اعتدالraquo; laquo;حزب النور السلفيraquo; يقرِّب المسافة بينه وبين laquo;الإخوانraquo;، ويخطف منهم بعض البريق.

وإذا جاز لنا أن نتعامل مع حزب النور ( وهذا الأصل) على أنه الممثل للموقف الرسمي لهذا التيار الديني الذي انعطف انعطافة واضحة نحو الديمقراطية، ممارسة، والتزاما بأهم مقتضياتها العملية، فإننا لا نملك أن نغض النظر عن آراء أخرى تبدو أقرب إلى النبع العَقَدي الذي ينهل منه هذا التيار.

فالمواقف المعلنة من رئيس حزب النور، عماد عبد الغفور، تكاد تتماهى مع مواقف laquo;الإخوانraquo; التي فرضتها العمليةُ الديمقراطية، فهو يتعامل كأي حزب سياسي فاهمٍ للعبة الديمقراطية وتحالفاتها، وقابلٍ بقواعدها، ومما قاله، بحسب ما نقلته laquo;القدس العربيraquo;: laquo;ففي إطار الممارسة الديمقراطية لن يحدث أي صراع لا بين التيارات الإسلامية وبعضها البعض، ولا بين تلك التيارات والمجلس العسكري، ولا بينهم وبين التيارات السياسية الأخرى كالليبرالية والعلمانيةraquo;
وأضاف:laquo; لقد أصبح هناك قواعد وقوانين وأدبيات سياسية في مقدمتها تداول السلطة وعدم الاحتكار أو الإقصاءraquo;.

وعبد الغفور يعارض توجهات قيادات سلفية تنحو منحى laquo;التشددraquo; ويحاول تبديد الهواجس التي تنامت إثر إعلان تلك المواقف التي أطلقها المتحدث الإعلامي باسم الدعوة السلفية، عبد المنعم الشحات، والتي أكد فيها أن عضوية غير المسلم بالبرلمان أو تعيينه وزيرا هي أمور تحتاج لدراسة، وأن دخول المرأة للبرلمان مفسدة، وأن ميدانها الرئيس هو المنزل، وتربية النشء.

إذ قال عبد الغفور: laquo;الدستور عقد اجتماعي بين المصريين، وهو يقرر أنهم جمعيا سواسية في الحقوق والواجبات... الأمر لا يحتاج لدارسة، ولا يوجد اعتراض على دخول الأقباط للبرلمان أو الوزارة، ونحن لا نقول ذلك لأننا فقط حزب سياسي يؤمن بالعملية السياسية وقواعدها، ولكن لأنه واقع موجودraquo;.

مثل هذه المواقف المتناقضة تطرح تساؤلات عن أيِّها يمثل التيار السلفي، فعلا، وليس فقط من الجهة الرسمية، فهل الفكر الذي يمثله الشحات هو طيف في هذا التيار، أم هامشي غير مُرَحَّب به، وأي التوجهين أقرب إلى القواعد السلفية؟

قد لا يسهل الاطمئنان إلى أن الموقف الرسمي لحزب النور ممتد ومتعمق في القواعد والقيادات الأخرى، وأوضح دليل على ذلك أن غير قليل من الأصوات السلفية البارزة لا تنفك تطلق مواقف ضد حرية الأدب، وبقاء التماثيل، وكيفية التعاطي مع السياحة، ومسائل اجتماعية كالاختلاط، وقضايا في صلب الديمقراطية كالتعددية وأحقية القوى الفكرية المختلفة الترشح للانتخابات.

وأقل ما يمكن أن يقال إن laquo;الاعتدالraquo;، صفة، ونهجا، لا يزال في التيار السلفي في حالة حراك، ومخاض، وأن الاستجابة لمتطلبات الواقع وترجيح المصالح على الفهم التقليدي قد يحتاج إلى نوع من التأصيل الفقهي الجديد.

فطالما عُرف السلفيون بالتمسك بالسنن، دون تأويل، أو موازنات كتلك التي يلجأ إليها laquo;الإخوان المسلمونraquo; في معرض توفيقهم بين متطلبات العمل السياسي غير المُؤَسَّس على الإسلام، والإسلام الذي ينص، في واضح النصوص، على أن الحاكمية لله، وليست للشعب، وأن التداول على السلطة، إنْ وجد لا يجيز أن يُفتح على مصراعيه، حتى لمن لا يؤمن به، ولا بتشريعاته.

وهذه الصورة laquo;النموذجيةraquo; للحكم يقرُّ بها الإخوان، في أدبياتهم، ولكنهم يخضعونُها لاعتبارات أخرى من قبيل الأولويات، أو من قبيل laquo;التدرُّجraquo; في التطبيق المرهون بنضج المجتمع، وتقبلِّه لهذه الأطروحات التشريعية والسياسية. وهم يستندون إلى القاعدة الشرعية الكلية التي تربط التقيد بالاستطاعة، ولعلها من هنا جاءت نصائح الشيخ القرضاوي، للحركات الإسلامية التي تخوض غمار الانتخابات بـــــــــlaquo;الاعتدالraquo;، والكفِّ عن حمل الناس على آرائها، والاكتفاء بالنصح.

وقد يكون laquo;حزب النورraquo; أمْيَلَ، وفق مواقفه المعلنة إلى هذه المقاربة التي تراعي الواقع وتتفاعل معه، ولكن مثل هذا التغير، في التيار السلفي، على هذا المستوى العميق لا يتحقق بسرعة، ولا بسهولة. ولا بد أن التفاعل مع التحديات السياسية المصرية، مع الرغبة في خوض التجربة ستسفر عن مزيد من التعديل وإعادة التشكيل، على المستوى السطحي الإجرائي، دون أن يطال البنية الصلبة القارَّة في فكر هذا التيار وعقيدته.
[email protected].