محمد دحلان، الشخصية الجدلية، النافذة، منذ الرئيس الراحل، ياسر عرفات، لم يكن منصاعا لـlaquo;أبو عمارraquo; وفي هذه المرة يتهمه أبو مازن (وقد كان دحلان داعما له) بالتطاول عليه والتحريض، والتآمر على فتح، ورئيسها عباس.

لا نبالغ، إذا قلنا إن ما قامت به السلطة، ضد دحلان يعادل قتله سياسيا، ووطنيا، من وجهة نظر السلطة، وlaquo;أبو مازنraquo;.

فالمنسوب إليه خطير جدا، وهاكم أهمه، وفق ما نشرته وكالة الأنباء الفلسطينية الرسميةlaquo;وفاraquo;:laquo; قالت اللجنة المركزية لحركة فتح: إن إقصاء دحلان جاء بسبب quot;ممارسات لا أخلاقية لم ينجُ منها وجيه، ولا زعيم سياسي، ولا رجل أعمال في قطاع غزة، وذلك باستخدام البلطجية، وفرقة الموت...raquo;

وأضافت أن من بين الأسباب laquo;الثراء الفاحش؛ نتيجة الكسب غير المشروع، ونهب أموال صندوق الاستثمار، آنذاك لمجموعة من مصاصي الدم بالمعابر، وحركة البضائع وحركة الأشخاص والتجارة من استيراد وتصدير وإقامة المشاريع، خضعت للشراكة من قبل عصابة بقيادة دحلان والتي استثمر منها الجزء الأكبر لحسابه الخاص خارج الوطنraquo;.

واتهمت فتح، دحلان بمحاولة laquo;احتلال إرادة الحركة، كمقدمة لكسر الإرادة السياسة الوطنية التي لم ينجُ منها، حتى الشهيد القائد ياسر عرفات، وكان شعارهم دوما تكريس التجنح، والمحاور، كسلوك لاحتلال إرادة الحركةraquo;

فهنا تهمٌ بالفساد المالي، واستغلال النفوذ؛ والفساد الأخلاقي، وجرائم القتل، والاعتداء الواسعين، فضلا عن التآمر على laquo;فتحraquo; لكسر الإرادة الوطنية، ما يقترب من الخيانة، أو يصب فيها. وهذا من شأنه أن يسقطه وطنيا.


مظاهر تحجيمه:
وتمهيدا لإقصاء دحلان تماما، وقتله سياسيا، قامت السلطة بمجموعة من الخطوات، منها تجريده من الحرس الشخصي، ومصادرة أسلحتهم، وسيارات مصفحة كانت حوزته تمتلكها السلطة، واعتقال بعض المرافقين له، هذا على المستوى العملي.

ويتم التذرع بالقانون لكل تلك الإجراءات؛ فهل لمْ يكن القانون صادرا قبل هذا الوقت؟! ولمَ سُمح لدحلان بتشكيل حماية خاصة له، مع أن الأصل أن قوات الأمن الفلسطينية الرسمية هي المخولة بتوفير الحماية للمسئولين؟!

فإما أن المستوى السياسي لم يكن راغبا في تحجيم دحلان، أو أنه لم يكن قادرا, والأرجح الأول؛ لأن قوات الأمن في الضفة الغربية اكتسبت مزيدا من القوة والدعم الخارجي والمهنية، بعد انفصال القطاع؛ ما يمكنها من السيطرة على قائد فتحاوي غزِّيٍّ، اضطرته حماس التي سيطرت على قطاع غزة، على الخروج من عرينه.

وقد يكون في أسباب هذه الهجمة الأخيرة، على دحلان، ما قام به من محاولات الإضرار بالسلطة، برئاسة عباس، أو ابتزاز (أبو مازن) لوقف التحقيق الذي كان قد بدأ معه، وتَحْضر في هذا السياق قضية تسريب الوثائق التفاوضية من مكتب صائب عريقات إلى laquo;قناة الجزيرةraquo;.

تحجيمه سياسيا:
أما الأهم فكان حرمان دحلان من الوسط السياسي الداعم له، وهو حركة فتح، فقد فُصِل من اللجنة المركزية، من حركة فتح، ومن الحركة. وبعد التحجيم السياسي، أو إمعانا فيه، جاءت محاولات التجريم القضائي؛ حيث أُحيل إلى القضاء، في ما يخص القضايا الجنائية والمالية، وأية قضايا أخرى.
فما طبيعة المشكلة؟
هل هي خلاف شخصي بين عباس و دحلان، على خلفية اتهامات دحلان لأبناء الأول بالحصول على مكانة مالية باستغلال مكانة والدهم رئيس السلطة؟ أم هو بسبب أبعاد سياسية، وتآمر دحلان للانقلاب على السلطة، واستغلال نفوذه الواسع في حركة فتح، كما يُظن، لهذا الغرض؟

أغلب الظن أن المسألة تتعلق بطموح دحلان المتعاظم، لدرجةٍ تهدد البنية السياسية الفلسطينية، ولو استمر لدحلان، الدعمُ الخارجي، والأمريكي، تحديدا؛ لاستكمل دورَه في الضفة الغربية، كما كان نجح في قطاع غزة، وهو في الضفة يملك أدوات هذا الهدف، وبيئته المناسبة
فهو يملك المال اللازم للتمويل والتسلح، وهو غير مغضوب عليه، إسرائيليا، ولا متَّهما عندها.

والتأييد له في الأوساط الفتحاوية بسبب عدائه لحماس التي تنامت مشاعر الثأر منها، بعد ما فعلت في الفتحاويين في القطاع ما فعلت، كان ملحوظا ومتزايدا.

فلو كان ثمة غطاء أمريكي لدحلان، ولو في السر، لما (تمادت) السلطة، في حرقه نهائيا، وإقصائه من ساحة العمل السياسي.

وبعد هذا الانكشاف الدولي لدحلان لم يتبقَ التأييد الفتحاوي، ولا سيما في قطاع غزة(المعزول عن السلطة) الذي استشعرت قيادات فتح فيه استهدافا لحركة فتح في غزة، استكمالا لخسران (أبو مازن) للقطاع لصالح حماس.

وتحاول السلطة برغم تعثرها، بل، وانسداد أفقها السياسي، وبرغم عجزها المالي الخطير أن تعزز الانطباع بانتقالها من مرحلة الفوضى، والشللية، ومراكز القوى، إلى مرحلة الدولة والمؤسسات، وتوحيد السلاح، وسيادة القانون.

لكن التأزم السياسي مع إسرائيل، والتوجه اليميني الذي يرفض استكمال الاتفاقات للوصول إلى الدولة الفلسطينية في حدود الرابع من حزيران يجعل من هذه الأزمة الفلسطينية أمرا قابلا للتطور؛ فقد يحاول الاحتلال الاصطياد في المياه الفلسطينية العكرة، ومن هنا خطورة ما نُسب لدحلان من رد على الاعتداء عليه، وعلى مرافقيه:laquo;السلطة ستدفع الثمن غاليا، وستجد الرد بالدمraquo;.

ولسنا متأكدين: هل كان ذاك التهديد بتأثير الانفعال، أم أنه موقف جدي؟

غير أن الوضع الفلسطيني الحالي لا يحتمل مثل هذا التصعيد الداخلي؛ فالاحتلال مصمم على التوسع، والاستيطان، وماضٍ في إجراءاته الاستفزازية، والتذمر المعيشي لأكثرية الفلسطينيين؛ بسبب عجز السلطة عن دفع الرواتب، مع الإحباط المتزايد من العملية التفاوضية والمساعي الدبلوماسية التي تحاولها السلطة، كل ذلك يجعل من مثل هذا التراشق الكلامي، وربما الفعلي أمرا زائدا عن احتمال السلطة، والناس.
[email protected]