يُبرز النظامُ في سوريا, أكثر ما يُبرز وجهَه (الثوري) و(القومي) و(المقاوم), و (الممانع)، ويرى ذلك عظيما, في جنب قمع شعبه, وقتل روحه، وكتم أنفاسه, ومنعه من الانطلاق إلى العيش الكريم, والازدهار الذي يليق به. وهو الشعب الذي يخضع لحالة الطوارىء منذ عام 1963م.
وهو الشعب الذي يتفرد فيه حزب البعث الذي قضى دستور 1973م في سورية بأنه الحزب الحاكم، وهو حزب الشعب.
لو سلمنا جدلا أن النظام في سوريا ممانع خارجيا, فهذا لا يسوِّغ قمعه للشعب، بل إن هضم حقوق السوريين, وإهمال متطلباتهم المعيشية لا يقوِّي الدولة في وجه الضغوط الخارجية, إذا وقعت.

هل النظام في سوريا خَطِرٌ على إسرائيل؟
وإذا أردنا أن نقيس أداء النظام من الوجهة الخارجية، والأمن القومي فقط, ونغضَّ الطرف عن السياسة الداخلية فإننا لا نجده يحظى بالنجاح؛ فضلا عن التبجيل، فمن يفقد جزءا عزيزا من وطنه, وهو الجولان, منذ ما يزيد عن أربعين عاما، ولا يفعل شيئا جريئا، إلا من تَذُرِّعٍ بدعم المقاومة في لبنان, وفلسطين، لا يحقق علامة تقدير.
ومن تتعرض بلاده للهجمات, والتعديات الإسرائيلية المتكررة, وكان منها مؤخرا تدمير إسرائيل لموقع دير الزور- اعترفت إسرائيل بمسئوليتها عن ذلك, خلافا لعادتها- بدعوى أنه مفاعل نووي تبنيه سورية بالتعاون مع كوريا الشمالية, وبعدها مقتل القائد العسكري الكبير, في حزب الله، عماد مغنية في قلب سوريا.
ثم تُطوى تلك القضايا وغيرها, بحجة انتظار الوقت المناسب, من يخفق كل تلك laquo;الإخفاقاتraquo; لا يحق له أن يفاخر كثيرا بتفوقٍ على الدول العربية الأخرى, وتَميُّزٍ يحصِّنه من الثورة الداخلية, أو يقدسه, فوقها, وفق شعبه.
ولو كانت إسرائيل, أو بعض الاتجاهات فيها ليست مغرمة بنظام الأسد، فإنها ستفكر ألف مرة قبل مساندة, أو تشجيع الإطاحة به، ما لم تتأكد بأن النظام الجديد لن يكون أقل توفيرا للهدوء, معها, وقد نشرت صحيفة laquo;واشنطن بوستraquo; مؤخرا أن حكومة إسرائيل يريحها نظام الأسد، برغم أنه يؤيد إيران وlaquo;حزب اللهraquo;، لأن الأسد يهتم بالهدوء على الحدود بين الدولتين ويعرف احترام الاتفاقات.

وهل النظام في سوريا يواجه أمريكا؟
هذا النظام كان يقف دوما، في اللحظات الأمريكية الصعبة، والمهمة, في صفها، ولو لم يتوافق أحيانا معها في التفصيلات, أو مع بعض القوى اليمينية في الكونغرس الأمريكي الذي كان أكثر انحيازا لليمين الإسرائيلي الذي قد لا يدرك المصالح الكبرى في بقاء الحكم في سوريا مستقرا, أو يُغلِّب عليها اعتباراتٍ محدودة, وضيقة.
فحين كانت أمريكا بصدد تحرك مهم, واستراتيجي لإضعاف نظام صدام حسين، في حرب الخليج الأولى أوائل 1991م أو ما سميت بعاصفة الصحراء, خفَّ الرئيس السابق حافظ الأسد للمشاركة, في هذا الغزو, الذي كان يتعدى, بالتأكيد تحرير الكويت, إلى النفاذ الأمريكي الأعمق إلى الخليج، والمنطقة؛ بالحدِّ من قوة النظام البعثي في العراق، إقليميا, وقد كان صدام، حينها, على وشك توسيع دوره, ومحاولة لعب دور عربي, شبيه بالدور الذي اضطلع به جمال عبد الناصر.
وكذلك ظلت سوريا هي الشريك, أو الحليف, المباشر لأمريكا في الأوضاع في لبنان, إلى المرحلة التي تلت اغتيال رفيق الحريري، حيث ظهرت واشنطن مع فرنسا داعمة لخروج الجيش السوري من لبنان.
وفي الغزو الأمريكي الأخير على العراق, شهدت القيادات الأمريكية لسوريا بدور حقيقي في منع المتسللين من المقاتلين العرب إلى العراق عبر حدودها.
وكعلامة على زيادة نقاط الاتفاق, على نقاط الخلاف بين واشنطن ودمشق وافقت الإدارة الأمريكية على تعيين السفير روبرت فورد بداية العام الماضي، في دمشق، برغم معارضة الكونغرس.

ورقة المقاومة:
وما دام أن laquo;النزاع العربي الإسرائيليraquo; معلق, وما دام أن مقاومة الاحتلال في الأراضي الفلسطينية المحتلة أمر مشروع, بحسب القانون الدولي, وهو ضروري, كذلك؛ لتحريك القضية, وإنضاج المواقف, وما دام أن الحكم في سوريا معنيٌّ بحل نهائي للنزاع مع إسرائيل, فإن رعاية المقاومة في فلسطين ليست مستغربة, ولا خطيرة؛ فضلا عن أنها بهذه الرعاية تكفل لنفسها تأثيرا على هذه القوة المهمة، ومنها حماس، والفصائل الفلسطينية المعارضة لاتفاقيات السلام؛ لإقناعها, بالانخراط في العملية التفاوضية, عندما ترى الظروف قد نضجت, أو ترى إسرائيل قد أضحت أكثر اقترابا من الشروط التي يقبلها النظام في سوريا .
وقد ظهر شيء من هذا, في الفترة الأخيرة, حينما شهدت دمشق لقاءات متتابعة بين خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحماس, والرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر, وهو غير البعيد عن دوائر القرار, والتخطيط في واشنطن, وعلى إثرها أعلن خالد مشعل عن مواقف أكثر laquo;واقعيةraquo; من اتفاقات السلام, منها الالتزام بأي اتفاق تبرمه السلطة, أو منظمة التحرير, مع إسرائيل، إذا حظي بموافقة أغلبية الفلسطينيين، ولو خالف قناعات حماس, ومواقفها.
وليس هذا تأويلا, ولا تفسيرا شخصيا, وإنما هو من الوضوح , إلى درجة يقترب فيه من الخطاب السياسي الصريح في سوريا، إنها تستخدم ورقة المقاومة, إنها، إذن ورقة للمساومة؛ لتحسين شروط التفاوض, وأين هذا من عدالة القضية الفلسطينية, ومن الحق الفلسطيني غير القابل للتوظيف؟!
فشرعية أي نظام إنما تُكتسب من شعبه، أولا, وأخيرا, ولا تكتسب بالتضليل, ولا تكتسب بالمقارنات, مع نظم أخرى, يرى النظام في سوريا أنه ما دام لم يبلغ درجتها في laquo;التساهلraquo; الخارجي, فرضا, فإنه في مأمن من النقض، أو النقد.
وها هي دول عربية, من تلك التي طالما عيّرها النظام في سوريا، كمصر، تتغير, وتبدو أكثر اقترابا من شعبها, ويُتوقع لها أن تكون أكثر استقلالية في سياستها الخارجية؛ فلا يطمعنَّ القائمون على الحكم في سوريا أنهم سيظلون علامة فارقة في المواقف (البطولية) القومية. كما لا يحق لهم أن يأملوا بأن يظلوا فوق التغيير, وهم من أحوج الناس إليه.
[email protected].