هذان الرئيسان يزيدان من توتر المنطقة، كلٌّ بطريقته، نتنياهو يقر بناء 238 وحدة سكنية جديدة في حيين استيطانيين في القدس الشرقية، ويشترط لتمديد وقف الاستيطان لفترة جديدة اعترافَ الفلسطينيين بإسرائيل، دولةً يهودية، فضلا عن الاشتراطات الأمنية، في بقاء الجيش الإسرائيلي في منطقة الأغوار، وهو بذلك يحرج أميركا، وكان قد تسبب بامتعاضها الشديد حين رفض ما قدمته له من عروض سخية مقابل تمديد وقف الاستيطان، لمدة شهرين. كما يحرج تلك الدول العربية التي أعلنت السلام خيارا استراتيجيا لها.
ونجاد يقوم بزيارة إلى لبنان تندرج في محاولات إيران فرض مزيد من الهيمنة على المنطقة، بالرغم من أنَّ طموح إيران كان وقَفَ عربيا عند حد معين، لم يستطع تجاوزه، حين لم تفلح طهران في حسم الوضع في العراق لصالحها، وما تزال. وحين لم ينجح حلفاؤها، من حزب الله، وحماس، والجهاد، في التفرد في القرار، أو النفوذ، في لبنان، أو فلسطين.
ولذلك جاءت تصريحات السيد حسن نصر الله مستشعرةً لهذه العقبة التي ما تزال تحد من نفوذ إيران في المنطقة، حين قرر أن المشروع الإيراني هو مشروع فلسطين:laquo; إن هناك من يروّجون لمشروع إيراني في المنطقة، ويريدون تخويف العرب والمسلمين من إيران، مستدركاً أن quot;المشروع الإيراني هو المشروع الفلسطيني، وأن ما تريده إيران لفلسطين هو ما يريده الفلسطينيون، وهو إقامة دولة فلسطينيةlaquo;.
غير أننا إذا جنَّبنا الشعارات والتصريحات الشعبوية فإننا نجد إيران دولةً تسعى إلى دور إقليمي لها، بوصفها دولةً فارسيةً قومية، وهذا لا يحتاج إلى دليل؛ لأنه بسببه، وتحت تأثيره الحاد، وقعت laquo;الجمهورية الإسلاميةraquo; في نزاعات إقليمية، وتدخلات علنية، ولتحقيق هذا الدور أضحت إيران دولة مساومات من الطراز الأول، لا تتورع عن تقديم خدمات، للولايات المتحدة؛ لتفيد منها، كما فعلت في أفغانستان، والعراق. وحتى برنامجها النووي يصب في هذا الهدف.
لكن ما الذي اختلف في زيارة نجاد إلى لبنان؟
لم يُظهر نجاد انفعالا، أو تعاليا إيرانيا، بل حاول أن يبدو توافقيا، حريصا على درء الفتنة، كما عُني بتخفيف الضوء على نقاط الخلاف مع فريق 14 آذار وعلى رأسه رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، وفي المقابل سلط الضوء، وبقوة على (التناقض) مع إسرائيل؛ ليستعيد لحزب الله صورتَه المقاومة التي كادت تبهت في ظل انخراط الحزب في معركة الحكمة الدولية وتداعياتها.
هذه الزيارة لا يمكن تجريدها من ظروفها، فقد جاءت في حمأة توتر لبناني، يشغل فيه حزب الله بؤرته, ومركزه، وفي هذا خطورة على صفته ووظيفته؛ حتى إن وهجه كاد يبهت, وهو يقف، وعلى مستوى أمينه العام يشرح للصحفيين، بالصور، وجود إشارات ظنية على تورط إسرائيل في اغتيال الحريري. وكان مضطرا إلى هذه التخريجات؛ ليبعد عن نفسه خطر الاتهام الظني من المحكمة الدولية.
فلسطين قميص عثمان:
بالرغم من أن الموقف الرسمي المعلن للجمهورية الإيرانية لا يرى تدمير إسرائيل؛ فإن الرئيس نجاد، لا ينفك، يلح على ضرورة زوال الصهيونية؛ ليفيد من هذا التعنت والغطرسة الإسرائيلية، وليظهر دولته، وحزب الله، ومن ثمَّ، حماس، بصورة من يلبي طموحات العرب، والمسلمين، ويضع حدا لهذا العدوان والاستهتار الإسرائيلي، كما فعلت ذلك، تركيا من قبل، ولكنها انتكست بعد مصيبتها في أسطول الحرية، حيث لم تقبل إسرائيل بالاعتذار الرسمي لتركيا، ولم تقطع الأخيرة علاقتها بإسرائيل.
لقد أوشك هذا القميص الفلسطيني على البِلى، من كثرة ما تردد بين اللاعبين، كلما طمح طرف في دورٍ ارتداه، أو كلما شعر بالضغط, أو التهديد رفعه؛ ليكون كلمة حق يُراد بها مصلحةً ذاتية ضيقة.
فهل إيران فعلا تحمل مشروع الفلسطينيين والعرب؟
ثمة ملحوظات تأكيدية:
الغرب، والولايات المتحدة بالذات، لا اعتراض لديها على النظام الإيراني، جوهريا، وهي سعت، إلى الحوار معه، حتى حول أبرز الملفات الشائكة، وهي برنامج إيران النووي، ثم جربت العقوبات، وعادت مؤخرا إلى فتح باب الحوار مجددا.
ولو رأت الولايات المتحدة في إيران خطرا حقيقيا على وجودها، ومصالحها في المنطقة، لما قبلت بالتعاون معها، حتى من أيام بوش الابن لم تكن واشنطن تستهدف طهران، أو تسعى إلى تعبئة دولية ضدها؛ لشيطنتها، وكان الحوار معها في شان العراق قد أعلن منذ بدايات الاحتلال الأميركي للعراق- ومن قبله كان في الشأن الأفغاني؛ لتسهيل مهمة أميركا هناك- وقد وجد ذلك تعبيرا له في موقف المراجع الشيعية الموالية لإيران، حين لم تدعُ إلى مقاومة الوجود الأميركي في العراق.
صحيح أن إيران مندفعة في طموحها، وصحيح أن هذا يزعج أميركا أحيانا، أو يربك لها توازنات المنطقة، ولكنها تحاول ضبط هذا الاندفاع الإيراني، بفسح المجال لقوى إقليمية أخرى، كتركيا، كما تحاول أن لا تتركها تتفرد بالساحة العراقية، ومن أجل هذه الغاية تعمل على تقليم أظفار حلفاء إيران من حزب إلى حماس.
إن تطاول حكومة نتنياهو, بالعدوان، والتشدد في laquo;الاشتراطات السلميةraquo; و محاولة إيران التوسع في المنطقة، وتقمص دور الحامي للمنطقة، ولقضايا العرب، يعكس حالة الارتباك والخلل في النظام الإقليمي الذي بدأ منذ سقوط نظام صدام، وتعزز بإخفاق دول عربية كبرى كمصر في لعب دور مؤثر عربيا؛ بسبب تغير البنية السياسية في إسرائيل لصالح اليمين المتطرف، والأكثر تطرفا.
وإن انفتاح الجرح العراقي، بالرغم من محاولات تجفيفه، ونزف الجرح الفلسطيني، يظهران حالة التعليق, واللاحسم التي باتت السمة الأبرز للسياسة الأمريكية، وهذا فوق خطورته، يترك الساحة لجهات دولية, وإقليمية أن تحاول ملء الفراغ، كما حاولت بعض الدول الأوروبية، مثل فرنسا وإسبانيا اللتين لم تجدا أي ترحيب من الجانب الإسرائيلي يشجعهما على المضي بهذا الدور؛ فقد بدا ككل مرة، مجهضا، قبل أن يبدأ!
إذا ظل النظام العربي الرسمي على هذه الحالة من افتقاد القرارات المصيرية، ولم يفلح في إصلاح آلية العمل الجماعي، وظل واقعا تحت الضغط الأميركي؛ فإن التخبط الأميركي سيفعل فعلَه عربيا، وسيسبب هذا مزيدا من الضعف والحرج للعرب. وإن نجاد يكتسب بعض المصداقية في أعين البعض، وكذلك نتنياهو؛ لأنهما لا يظهران متطابقين، أو منصاعين، للرغبات الأميركية دائما.
[email protected].
التعليقات