لا تنفك طهران تتبجح بأن مفاتيح الاستقرار بالمنطقة في قبضتها، فهي قادرة على التحكم باستقرار العراق، كما كان لها الفضل في تمكين أمريكا منه، وهي قادرة على مساعدة أمريكا في أفغانستان، كما فعلت، منذ بداية الغزو، حين أسهمت في القضاء على حكم laquo;طالبانraquo;، وتأتي فلسطين على رأس الأوراق التي تشهرها طهران في وجه واشنطن؛ لتقتنع الأخيرة بأهمية الدور الإيراني، ومركزيته، في المنطقة؛ فهل استحالتْ فلسطينُ، القضيةُ العادلة، إنسانيا، والمغتصبة، إسلاميا، من وجهة النظر الإيرانية laquo;المفترضةraquo; ورقةً للمساومة، وتحقيق المصالح القومية الخاصة؟!
لو تجاوزنا ما راج ذكرُه، قبل فترة من انقسام الدول العربية، ودول إسلامية كإيران إلى laquo;اعتدالraquo; وlaquo;ممانعةraquo; فإن إيران تبقى في دائرة الاشتباه، أو الإدانة، حتى لدى قسم من المقاومين للمشاريع الأمريكية، وللاحتلال الإسرائيلي، ومخططاته في المنطقة العربية والإسلامية؛ إذ يَعْرِف هؤلاء لطهران دورها في laquo;مشروع الهيمنة والتفكيكraquo;، كما تجلى في العراق، وفي اليمن، وهذه الأصوات تبدي تخوفها الحقيقي من تحول حركات المقاومة، كحماس، والجهاد الإسلامي، من قوى عربية، إلى قوى إيرانية تخدم مشروع إيران في المنطقة، أولا.
والحقيقة أنه يصعب التصديق بقيام علاقة متكافئة بين دولة مُموِّلة، وداعمة، كإيران، وحركات رضيت بالاعتماد عليها، وتلقي الدعم منها، وما الغضب الرسمي والشعبي الحاد الذي جُوبِه به، خالد مشعل، يومَ أطلقَ على الخليج صفة laquo; العربيraquo; إلا مؤشر، شديد الدلالة، على رؤية إيران لتلك العلاقة التي تربط حماس بها، وكيف ينبغي أن تكون؟ وكم تساوي؟ حتى إنها لم تتحمل من مسئولها هذه اللفظة التي ربما لم تكن مقصودة!
كما يصعب الاقتناع، بتجرُّد إيران من مآرب خاصة تتوخى تحقيقيها من علاقتها المتميزة بحركتي حماس،والجهاد. والمسألة لا تحتاج إلى تحليل، ولا إثبات؛ لأن طهران ببساطة لا تقصِّر في توظيفها السياسي، علنا، في سعيها المحموم نحو دور إقليمي أوسع.
ومع ذلك، لا يضر أن نمثل على طبيعة العلاقة التي تريدها إيران مع حركات المقاومة، والاشتراطات التي تشترطها؛ ما يخلُّ، على نحو واضح، باستقلالية القرار في تلك الحركات، فقد صرح أبو عبد الله الغزي، القيادي والناطق باسم laquo;جيش الأمةraquo; لـlaquo; الحياةraquo;، 11/4/2010 م أن laquo;جيش الأمةraquo;- وهو تيار إسلامي مقاوم في غزة- رفض تمويلاً إيرانيا بسبب شروط رفض الكشف عنها. كما صرح لجريدة الغد الأردنية، بالتاريخ السابق، بوجود laquo; خط في الجهاد الإسلامي يعمل على نشر التشيُّعraquo;.
وإذا كان قسم من الشعوب العربية يبدي تعاطفا مع إيران، وتقديرا لها؛ بسبب الدور الذي لعبته مع حزب الله تسليحا، وتمويلا؛ ما أفضى إلى تحرير جُلِّ الأراضي اللبنانية؛ فإن وجهها الآخر في العراق، وتوظيفها للبعد الطائفي، وتدخلها السافر في شؤونه، يمكن أن يعيد التوازن إلى المتحمسين لإيران؛ فيُفهم دورُها في لبنان، على ضوء سلوكها في العراق.
وإذا اتضح أن لإيران خطابين تُجاه إسرائيل، أحدهما ثوري، يعلن عن رغبته في تدميرها، والآخر براغماتي يعلن عن عدم معارضته لأي اتفاق يبرمه الفلسطينيون معها؛ فإن ذلك مدعاة إلى فهم واقعي لادعاءات إيران، وشعاراتها المكرورة.
وحين يُواجَه قادة حماس بمثل هذا الكلام: أن حركتهم، وحركة الجهاد- على تفاوت، تبعا، لتفاوت القوة- تُمكِّنان طهران من امتطاء صهوة القضية الفلسطينية، وأن تحالفهم مع إيران، يأتي على حساب المصالح العربية، التي تتضرر، على نحو واضح، في اليمن، والإمارات، وغيرها، كمصر التي تخشى من المد الشيعي الذي يهدد البنية الاجتماعية، فيها، وفي سائر الدول العربية المعرضة لخطر التشييع، فإن قادة حماس، حينها، يلوذون بانعدام البديل العربي، ولكن السؤال: هل laquo;انعدام البديل العربيraquo; يسوِّغ هذا التغاضي عن المآرب الإيرانية القومية التي تتوشح بوشاح الممانعة حينا، أو حتى بوشاح التشييع حينا، آخر؟!
ثم، لو صح هذا المسوِّغ، الذي يوحي بالاضطرار، في العلاقة مع إيران، لا بالاختيار؛ فلمَ يُكال لإيران كلُّ هذا المديح، حين تُصوَّر على ألسنة قادة الحركتين، في حماس، والجهاد، بالدولة الداعمة للمقاومة،والمتصدية للمشاريع الأمريكية، والإسرائيلية، في مشاركة واضحة من هؤلاء المسئولين، بالتضليل للرأي العام العربي؟! أليس هذا جزءا من الثمن الباهظ الذي تدفعه هذه الحركات مقابل الدعم الإيراني؟
فالعلاقة بين حماس والجهاد، وحركات فلسطينية أخرى، لا تُصور على أنها تقاطع في المصالح، بقدر ما تصور على أنها حلف مقاوِم، تقوده طهران ضد المشاريع الأمريكية، والإسرائيلية، وهذا خطأ، وخطر؛ لأنه مناقض للواقع، والمعلن من التصريحات الإيرانية، وهو خطر؛ لأنه يجعل تلك الحركات تبني استراتيجيتها على قاعدة غير سليمة؛ لأنها ببساطة، قاعدة مساومة، لا قاعدة مقاومة، وهذا يعني ترك القضية الفلسطينية عرضة للمساومات والصفقات والأدوار التي تريدها إيران.
التعليقات