من أول ما يتبادر إلى الأذهان, هل هذا القرار مناورة, أم حقيقة؟ وإذا كان مناورة؛ فما أهدافه؟ وهل هو موجه إلى أمريكا, أم إلى إسرائيل؟
في المشهد والخلفية مؤشرات, بعضها نظري, والآخر واقعي ميداني. أما النظري فمنها ما يتعلق بأمريكا؛ إذ بالرغم من تجنبها ممارسة ضغوط مباشرة على حكومة اليمين بقيادة بنيامين نتنياهو؛ لأسباب معروفة, تعود لقوة التعاطف الأمريكي أمةً, ومؤسساتٍ سياسية, وجماعات ضغط موالية لإسرائيل, فإنها برغم ذلك لا تستطيع الادعاء أن هذه المواقف التي تصر عليها حكومة نتنياهو هي المفضلة, أو المطلوبة, أمريكيا. وعلى هذا فثمة ما يدعو نظريا إلى الاعتقاد بتوفر رغبة أمريكية في تغيير تلك المواقف الإسرائيلية؛ بالرغم مما صرحت به هيلاري كلينتون عن عدم اشتراط وقف الاستيطان لاستئناف المفاوضات, وهو الموقف الأبرز الذي أُرجع قرار الرئيس الفلسطيني إليه.
ومن القرائن النظرية التي تستبعد أن تكون الخطوة موجهة إلى أمريكا أن روح السلطة بيد أمريكا؛ ما يعني أنه لو كان هذا تمردا من محمود عباس على واشنطن، لبدت مؤشرات تابعة, تُلوِّح بحل السلطة, ولا ثمة مؤشرات على ذلك فلسطينيا.
ومما يعزز أن الرسالة التي خطها أبو مازن ليست موجهة إلى واشنطن ردة الفعل الأمريكية التي تمثلت بالثناء على أبي مازن, ووصف قيادته بالتاريخية, والاستعداد للتعاون معه في أي موقع جديد.
ولو شعرت أمريكا بوجود تمرد, أو استعصاء يقوده أبو مازن ضدها, لما تورعت عن قلب ظهر المِجَنِّ له, ولبدأت بحملة قد تنتهي بعزله, كما فعلت مع ياسر عرفات.
وإذا لم يكن هذا الموقف موجها إلى أمريكا فلم يبق إلا أن يكون ضد نتنياهو وحكومته, ولا يضر هذا التكتيكَ أن يَظهر للشعب الإسرائيلي بصورة الاحتجاج الموجه لأمريكا بسبب اصطفافها مع حكومة اليمين, وقد صدرت تصريحات أمريكية قبل الزيارة الأخيرة لكلينتون مفادها أن حكومة إسرائيل المصرة على الاستيطان, تتسبب بحرج لأمريكا في المنطقة.
ومن المؤشرات الدالة على الحرص على إبلاغ الرسالة إلى حكومة نتنياهو ما تلا هذه الخطوة من تصعيد كلامي وتحركات شعبية فلسطينية في مسيرات وتظاهرات.
وما رافق ذلك من تصريحات من مسؤولين ومقربين في السلطة عن تهديد الأمن المتوقع في حال لم يرجع أبو مازن عن قراره. مع إصرار, بل إجماع فلسطيني على رفض أي أحد الترشح لمنصب الرئاسة خلفا لأبي مازن, أو بديلا عنه.
وقد حذر الناطق الرسمي باسم الرئاسة نبيل أبو ردينة قائلا:quot; إن حالة الفراغ والشلل السياسي الراهنة لن تبقى كذلك، فهذا الفراغ سيؤدي عاجلاً أم آجلاً إلى زعزعة أمن واستقرار المنطقة وشعوبها، جراء العنف الذي يتربص لملأ الفراغ المدوي الذي خلفه إخفاق جهود إعادة إطلاق عملية السلام، ما لم تسارع الإدارة الأمريكية إلى ممارسة ضغط حقيقي على حكومة إسرائيل للامتثال لمرجعيات عملية السلام والوفاء باستحقاقاتهاquot;.
وقد كان لافتا ما جاء في مداخلة باراك أوباما التي أدلى بها أمام نحو عشرين ألف إسرائيلي تجمعوا في تل أبيب الأحد الماضي لإحياء ذكرى اغتيال رئيس الوزراء الأسبق إسحق رابين. حيث قال: quot; لن تنعم إسرائيل بالأمن ما دام الفلسطينيون في وضع يائسquot; تلك الرسالة في هذا التوقيت, أي عقب إعلان عباس عدم الترشح شديدة الوضوح للرأي العام الإسرائيلي, بضرورة الاهتمام بما يجري في مناطق السلطة من تغيرات قد يكون لها ما بعدها.
وتتحدث صحف إسرائيلية عن إهانة من الرئيس الأمريكي لنتنياهو؛ إذ أكدت وسائل إعلام إسرائيلية مختلفة أن ما حدث في الأيام الأخيرة خلال رحلة رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى واشنطن كان تنكيلا وأهانه شخصية من الرئيس الأمريكي بحق نتنياهو , إذ حاولت, طوال أسبوعين, وزارة الخارجية الإسرائيلية وسفارتها المختلفة ترتيب لقاء بين أوباما ونتنياهو دون جدوى , وحتى بعد أن مكث نتنياهو ليومين في واشنطن لم تأته الموافقه على هذا اللقاء إلا في اللحظات الأخيرة, وهو ما وصفته وسائل الأعلام العبرية بـ (التنكيل).
ويبدى محللون إسرائيليون تخوفا من أن تؤدي سياسة نتنياهو وتعنته إلى موافقة الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي والرباعية وروسيا والصين وباقي دول العالم على قرار الأمم المتحدة المفترض بإعلان دولة فلسطين على أراضي 67 من جانب واحد, ودون موافقة إسرائيل, وبالاتفاق مع السلطة الفلسطينية. وبقطع النظر عن مدى واقعية هذا الخيار, إلا أنه يضاف إلى جملة الضغوط التي تحاصر نتنياهو وتحاول إظهار خطورة سياسته.
والموقف الفلسطيني الرسمي الآن هو دعم خطوة محمود عباس, وليس المطالبة بتراجعه عن الترشح.
وتصب هذه الخطوة في تقوية مكانة أبو مازن شعبيا؛ إذ قام بجولات في كبرى المحافظات كالخليل؛ ليستثمر هذه الخطوة, ويعزز من تواصله مع الشعب، أو ليظهر استقواء به.
[email protected]
.
التعليقات