كانت العلاقات المصرية السورية قد بدأت بالانفراج بعد اجتماع المصالحة الذي عقده زعماء مصر والسعودية وقطر وسورية على هامش قمة الكويت الاقتصادية في يناير/ كانون الثاني الماضي.
لكن العلاقات بين القاهرة ودمشق ما زالت تفتقر إلى الدفء المطلوب؛ بالرغم من المتغيرات التي طالت المواقف السورية, وعلاقاتها بالسعودية وتركيا اللتين تقتربان من مصر في مواقفها الخارجية, وتوجهاتها العامة.
ولم تتسم العلاقة بين مصر وسوريا بالحرارة، حتى، بعد تبدد التأزم السياسي في لبنان الذي تُوِّج بزيارات لبنانية عالية المستوى من الرئيس ميشيل سليمان, إلى الزيارة التي أعلن عنها رئيس الحكومة سعد الحريري إلى دمشق.
فما أبرز نقاط الاختلاف التي ما زالت تعوق الدفء بينهما؟
نقطة الخلاف الأولى تتبدى في لبنان؛ إذ بالرغم من الانفراج الذي عرفه ؛ ما زال الصفاء الكامل غير متحقق؛ ولا سيما في جزئية حزب الله ودوره, وتنظيم علاقته بالدولة اللبنانية, والتخوفات التي تنبع من ذلك؛ إذا ما رغبت طهران في توظيفه, ولا سيما أن الحزب وأمينه العام لم يتزحزح عن علاقاته الخاصة بطهران.
وما دامت سوريا قريبة من إيران؛ فلا يتوقع أن تَقْصُر المسافة بين القاهرة ودمشق, والخلاف هنا ليس مسببا للتباغض, أو التوتر, ولكنه يحول دون مزيد من التوافق, والدفء. ولا زالت سوريا ترى في التوافق مع إيران التي تملك النفوذ الأكبر على حزب الله, مصلحةً مهمة لها في الوقت الراهن.
ولعل المعيق الثاني يكمن في quot;المصالحة الفلسطينيةquot; العالقة؛ بسبب الانقسام بين غزة والضفة, والناجم عن احتفاظ حماس بمواقفها ورفضها القبول بالشروط الرباعية, واحتفاظها, على المستوى الإقليمي، بعلاقات قوية مع إيران, وقد كان آخر تجلياتها اللقاء الذي جمع القيادي موسى أبو مرزوق بسعيد جيلالي مسؤول الملف النووي, بدمشق مؤخرا.
وتتولى مصر ملف المصالحة بين فتح وحماس, الذي طالما أثار توترات بين دمشق والقاهرة, على خلفية اتهامات متبادلة بانحياز كل منهما إلى طرف من الأطراف الفلسطينية. فقد سبق لوزير الخارجية السوري، وليد المعلم أن طالب الوسيط quot; بأن يكون على مسافة واحدة من الطرفين الفلسطينيَّينquot;. فرد عليه وزيرُ الخارجية المصري, أحمد أبو الغيط, بأن هذه الدعوة يجب أن توجه إلى سورية.
ويمكن أن نتلمس فروقا قائمة بين الموقف المصري والسوري في الملف الفلسطيني يرتد في بعضه إلى وضعية كل بلد ومشاغله وأولوياته, فسوريا ما زالت مرتفعاتُها في الجولان محتلة, وهي لذلك معنية بتكثيف الضغوط على إسرائيل, واستخدام ورقة حركات المقاومة في فلسطين.
وهي في هذه الجزئية تتقاطع مع إيران التي تحرص على استبقاء ورقة المقاومة؛ بغيةَ توظيفها؛ بما يخدم تأكيد دورها, في المنطقة.
في حين أن مصر تحمل على عاتقها مسؤولية العملية السلمية, وهي لذلك أمْيَلُ إلى الحلول التوافقية, الملتزمة بالشروط الدولية, وإن كانت لا تظهر في العلن أية ضغوط على حماس، والحركات التي ترفض تلك الشروط.... وقد توقفت جهود القاهرة في المصالحة بين حماس وفتح عند رفض الأولى التوقيع على الورقة المصرية. وقد عزا البعض ذلك إلى تدخل إيراني, ولمح البعض إلى دور سوري.
وقد يكون التعنت الذي تبديه حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سببا في طمس الخلافات, وتقريب المواقف المصرية السورية, في مواجهة تلك المواقف؛ حيث يتضاءل العائق الفلسطيني أمام التعالي والصلف اليميني الإسرائيلي.
لماذا تحقق تقارب سعودي سوري, ولم يماثله تقارب مصري سوري؟
قد تكمن الإجابة في لبنان التي للسعودية وسوريا نفوذ وتأثير واضح فيه, يفوق مثيله المصري. وقد كان التقارب بينهما ضروريا, لإخراج لبنان من مَأْزِقه وتشتته, طبعا, دون أن نغفل دور العلاقات الثنائية.
ولم يكن حضور مصر في الشأن اللبناني، ضرورة ملحة؛ فلم تكن في صلب التحركات التي سبقت تشكيل الحكومة اللبنانية.
ومصر لا تنافس سوريا في لبنان, وهي تعترف لسوريا بدورها المميز وعلاقاتها به, فقد صرح وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط في مقابلة مع quot;الشرق الأوسطquot; في 28 سبتمبر/ أيلول الماضي بأن مصر تعترف باهتمام سورية التاريخي والاستراتيجي بلبنان.
وعلى الصعيد الدولي, والملف النووي الإيراني قد يكون من المفيد أن تستبقي سوريا علاقات إيجابية مع إيران في هذا الوقت الذي يفرض دور مصر الإقليمي عليها محاولة كبح التمدد الإيراني. وذلك حتى تتمكن دمشق من محاولات التأثير والوساطة في هذا الملف.
مثلما لم تمانع واشنطن العلاقة التركية الإيرانية؛ إذ صرح بي جي كرولي مساعد وزيرة الخارجية الأميركية للشؤون العامة في ما يخص العلاقة بين تركيا وإيران، قائلا: laquo;هناك شيء من المبادرة التركية مؤخرا لتوثيق علاقتها مع إيران، نعتقد أن هذا أمر مفيد؛ لأننا نعتقد أنه يجب أن تكون هناك مجموعة من الأصوات تتحدث للحكومة الإيرانية حول مسؤولياتها وحاجتها بأن تلعب دورا أكثر بناء في المنطقةraquo;.
وعلى الرغم من استقرار العلاقة بين مصر وسوريا في الوقت الراهن على انتفاء الحرارة والدفء؛ فإنها لا تصل حد البرودة. وهي في المستقبل, مرشحة إلى مزيد من التقارب، وذلك متأثر بتطورات الوضع السياسي في إسرائيل, وانبثاق قيادة سياسية تنصاع لـquot;متطلبات السلامquot; مع سوريا؛ إذ تصبح حينها دمشق, أقرب إلى القاهرة, وأبعد عن طهران, وأقل استعدادا لتحريض حركات المقاومة الفلسطينية.
وأما علاقة دمشق بطهران؛ فلا يبدو أنها على درجة كبيرة من العمق والثبات, وهذا ما كشفت عنه تصريحاتُ الرئيس السوري بشار الأسد, فيما ذكرته quot;السفيرquot;, من قوله:quot; إن احتمالات الخلاف مع إيران قائمة، quot;ولن أتوانى عن الإعلان عنها، عندما تطرح, في ثلاثة ملفات وهي: العراق، والسلام كهدف استراتيجي، ولبنان. لكنها ملفات لا نختلف حولها اليومquot;.
[email protected]
التعليقات