إذا قسنا القادم على الحاضر فإن التعامل الأمريكي مع البرنامج النووي الإيراني لا يرتقى إلى الجدية الكافية لمنعه؛ فقد دأبت على اتخاذ أساليب من شأنها إتاحة الفرصة لإيران؛ كي تمضي في مشروعها، وصدرت عن واشنطن مواقف، وتصريحات بعضُها ينفي وجود نشاط نووي إيراني، وبعضها يوحي بقبوله كأمر واقع، مترافقا مع تصريحات إيرانية تفرِّق بين الموقف الأمريكي والأوروبي، وهو ما تؤكده المواقف الأوروبية التي تبدو أكثر ميلا للتصعيد والمواجهة مع إيران.
وكان تحولٌ قد طرأ على التعامل الأمريكي مع إيران منذ الإدارة السابقة، ولعل تقرير أجهزة المخابرات والأمن القومي الأمريكية،(4/12/2007م) التي أكدت فيه أن إيران أوقفت تطوير برنامجها النووي العسكري منذ سنة 2003م أن يكون أوضح مؤشر على ذلك.
وفي عهد هذه الإدارة تعزز أسلوب الحوار، واستُبعد الخيار العسكري، حتى انتاب البعض القلق من جدية واشنطن في الحد من مشروع إيران النووي، ولا سيما بعد تصريحات هيلاري كلينتون عن quot;المظلة الدفاعيةquot;.
وفي طهران ثمة تفريق بين الموقف الأمريكي ونظيره الأوروبي؛ إذ أثنى علي أكبر ولاياتي، وزير الخارجية الإيراني الأسبق الذي يعمل كبير مستشاري خامنئي: على أوباما، وقال ولاياتي:quot; تَقْبَلُ أمريكا إيران نووية، ولكن لا تستطيع بريطانيا وفرنسا تحمل إيران نوويةquot;.
وهذا ما يلحظ من مقابلة الموقف الأمريكي بالأوروبي الأكثر ميلا إلى المواجهة والتشدد؛ فقد قال وزير الخارجية السويدي، كارل بيلدت، الذي تتولى بلاده الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي إن الاتحاد مستعد للدخول في مواجهة مع إيران بشأن برنامجها النووي. وشكك وزير الخارجية الفرنسي، برنار كوشنير، في الجدوى من مواصلة المفاوضات مع طهران إلى أجل غير مسمى بسبب ملفها النووي. وقال كوشنير quot;أجرينا مفاوضات مع إيران لمدة ثلاث سنوات، ولم يتحقق أي شيء ولا نزال نتباحث معهاquot;.
وجاءت تصريحات محمد البرادعي مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية الأخيرة مُعَزِّزةً للمناخ الحواري، وعاملا على بعث شيء من الطمأنينة؛ إذ قال: quot;إنه ليس هناك دليل ملموس على أن طهران لديها برنامج جار للتسلح النوويquot;. واعتبر أن الحديث عن أن برنامج إيران النووي يمثل أكبر تهديد للعالم مبالغ فيها، نافيا توفر حقائق تدل على قرب توصل إيران إلى سلاح نووي.
ويمكن للمراقب أن يلحظ تباينا في ردة الفعل التي أعقبت تصريحات البرادعي، بين فرنسا، مثلا، وأمريكا التي لم يُسمع لها موقف من تلك التصريحات؛ وقد بلغ الاستياء الفرنسي إلى حد اتهام وزير الخارجية برنار كوشنير البرادعي بإخفاء معلومات عن الوكالة والدول الست.
البرنامج النووي الإيراني والتوظيف الأمريكي:
وقد غلب على السياسة الأمريكية توظيف قضية البرنامج النووي الإيراني، وإدارته؛ إذ استعملته ورقة مساومة للضغط على إسرائيل؛ لتقديم quot;تنازلاتquot; تمهد لتحجيم النفوذ الإيراني في المنطقة، وحرمان إيران من استخدام ورقة القضية الفلسطينية.
وفي المقابل يتيح هذا المشروع الإيراني لواشنطن استخدامه لمساومة إيران على تهذيب نفوذها في المنطقة، وفي العراق بصفة خاصة، وتعميق التعاون بين البلدين؛ ليشمل الموضوع العراقي، وفق الرؤية الأمريكية بالطبع، إضافة إلى الموضوع الأفغاني الذي طلبت واشنطن من طهران المساعدة فيه.
في الوقت الذي تستطيع فيه الإدارة الأمريكية استعمال هذا السعي الإيراني لامتلاك تكنولوجيا نووية فزاعةً لتخويف دول المنطقة والخليج العربي، وفي هذا السياق ترد تصريحات وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون التي قالت فيها إن الولايات المتحدة ستتعامل مع إيران المسلحة نوويا من خلال تسليح حلفائها في الخليج، وتوسيع laquo;المظلة الدفاعيةraquo; فوق المنطقة؛ الأمر الذي أشعر بأن حصول إيران على سلاح نووي قد أصبح في نظر واشنطن حقيقة واقعة، مُتْبِعةً ذلك بالقول إن محاولات الولايات المتحدة للحوار مع طهران تمثل النهج الأفضل لحل أزمة البرنامج النووي الإيراني.
في المدى القريب تبدي إيران رغبة في التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتقدم عروضا، ومقترحات، للتفاوض، دون أن يعني ذلك المساس بمساعيها التي تبدو أكثر تصميما على التمسك بها، بعد نجاح نجاد في تشكيل الحكومة، والثقة التي حصل عليها من البرلمان الإيراني. ولا تُعَدُّ موافقة أمريكا على فرض عقوبات اقتصادية على إيران؛ إذا لم يتحقق اتفاق معها، دالا على توفر أداة فعالة لمنع طهران عن المضي في مشروعها النووي؛ إذ سبق للإدارة الأمريكية أن قللت من جدوى مثل تلك العقوبات.
[email protected]