يذهب بعض المحللين إلى أن غياب الحزم والمواجهة الأمريكية تُجاه إيران من شأنه أن يحدَّ من قدرة أوباما على ممارسة ضغط حقيقي ومُجْدٍ على حكومة بنيامين نتنياهو المتعنتة،وأنّ أكثر ما يردع إسرائيل هو سياسة أميركيّة متصلّبة حيال إيران وحلفائها؛ لكي تضعف حجج أقصى اليمين الإسرائيليّ في الأمن الذي يقال إنّ إيران مصدر تهديده الراهن. ذلك الرأي يستند إلى تجربة سابقة استطاعت فيها الإدارة الأمريكية، الضغط الناجح على إسرائيل، في عهدي جورج بوش الأب، وإسحق شامير، عقب ضرب الجيش العراقي، حين غزا الكويت. ومن المعروف أن السياسة أبعد المجالات عن القياس؛ نظرا لاختلاف ظروف كل حدث، أو أزمة، وتبعا لاختلاف أطرافها؛ فموقف الولايات المتحدة منlaquo;الجمهورية الإسلاميةraquo;،
اليوم، ليس كموقفها من نظام صدام؛ فواشنطن لا تستهدف النظام الإيراني، وإنما تمدُّ له يد التعاون، والحوار، وما زالت تفضل الخيار الديبلوماسي، على العسكري، وحتى العقوبات التي تلوِّح بها واشنطن، لن تكون قاصمةً للنظام في طهران.

هل laquo;الخطر الإيرانيraquo; هو حجة اليمين الإسرائيلي؟
وأما فيما يتعلق بحجج اليمين التي يُظن أنها تسوق الخطر الإيراني للتهرب من استحقاقات السلام؛ فإنها تفتقر إلى الدقة؛ إذ إن تعنت اليمين الإسرائيلي في موضوع حل الدولة الفلسطينية والانسحاب من الضفة الغربية، والقدس الشرقية، لا يعوقه الخطر الإيراني، بقدر ما يعوقه -بحسب المعلن إسرائيليا- أسباب دينية وقومية وأمنية، مع تذرعٍ، بضعف السلطة الفلسطينية، وأن انسحابهم السابق من قطاع غزة، مثلا، لم يوفر لهم الأمن، والسلام؛ فعادت الصواريخ تنهمر على تجمعاتهم السكنية، فضلا عن اشتراطات تكاد تكون تعجيزية، من قبيل الاعتراف بيهودية الدولة، وبالقدس عاصمة موحدة، وببقاء أمني إسرائيلي على الحدود مع الأردن، وهي كلها أسباب داخلية ممعنة في داخليِّتها.

أليسَ الملف النووي الإيراني وسيلة ضغط على نتنياهو؟

على أن الموقف يحتمل فهما مغايرا، يقوم على ربط الولايات المتحدة بين استجابة إسرائيل لاستحقاقات السلام، ودخول واشنطن في طور أشد في التعامل مع الملف النووي الإيراني، وطالما لفتت الإدارة الأمريكية انتباه الساسة الإسرائيليين إلى الفوائد التي تجنيها إيران من الظروف الناجمة عن الجمود في العملية السلمية، أو الفشل، حين تتغذى حركات المقاومة الفلسطينية الراديكالية كالجهاد الإسلامي، وحماس منها، وحين تستخدمها طهران لإضعاف موقف الدول المصنَّفة في laquo;الاعتدالraquo;. فضلا عن أنه سيكون أصعب على الدول العربية المتخوفة من الخطر الإيراني، التعاون مع واشنطن، دون حل معقول، للقضية الفلسطينية.

فإذا كان من التهور والمغامرة غير المحسوبة أن تنفرد إسرائيل بهجوم على منشآت إيران النووية، وكانت الولايات المتحدة، بحسب إسرائيل- لا تفعل ما هو كاف لكبح المساعي الإيرانية؛ فإن المتضرر من ذلك، هي إسرائيل، أكثر من أمريكا التي لا يمثل امتلاك إيران للقدرة النووية تهديدا حقيقيا لها، وهي قد تعمل على ضبطه، أو توظيفه؛ لتقوية وجودها في منطقة الخليج العربي؛ بحجة الحماية، والردع، أو لمصلحة تعزيز laquo; التعاون العسكريraquo; وصفقات التسليح.

لماذا لا تشترط واشنطن على سوريا تعديل علاقتها بإيران؟
ويمكن للمراقب أن يلاحظ موقف واشنطن من تحركاتٍ، وعلاقات تقف إيران في وسطها، كالتعاون، أو التحالف السوري معها؛ فقد كان لافتا موقف الرئيس بشار الأسد عقب قرار واشنطن تسمية سفير لها في دمشق؛ إذ بدلا من تهذيب علاقته بطهران سارع على تعزيز التعاون معها، وأعلن بأسلوب تهكميٍّ عن متانة علاقة بلاده بإيران، وكان لافتا أكثر موقف وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون التي أعلنت- ردا على تصريحات الأسد- أن بلادها لا تعارض علاقات laquo; متعافية بين سوريا وإيرانraquo;.

كيف تفهم علاقات واشنطن الاستراتيجية بتركيا الغاضبة من نتنياهو؟

ويمكن أن يتضح الموقف الأمريكي من إيران laquo; المهدِّدة لإسرائيلraquo; في ضوء موقفها من دول تُظهر لحكومة نتنياهو laquo; العين الحمراءraquo; كتركيا التي ما انفكَّ رئيس وزرائها رجب طيب أردوغان يشن الهجوم، تلو الهجوم، والتحذير تلو التحذير، من سياسة اليمين الإسرائيلي في القدس، وفي غزة، وفلسطين،عموما؛ فكيف تُعامِل واشنطن أنقرة؟ لقد حرصت إدارة أوباما على إظهار موقف مغاير من موقف لجنة في الكونغرس التي أقرت قرارا غير ملزم، يدعو أوباما إلى توصيف ما فعلته تركيا في الأرمن بـ laquo; الإبادةraquo;، ولما لمست أنقرة جدية موقف الإدارة الأمريكية قررت إعادة سفيرها إلى واشنطن، بعد أن استدعته، قبل شهر؛ ما يعني أن مواقف حكومة أردوغان من إسرائيل، لم تدفع واشنطن إلى انتهاج مواقف سلبية تجاهها.

رسائل متواترة لحكومة اليمين؟

غير أن هذا التغاضي الأمريكي، تركيا مثالا، أو التراخي، إيران، مثالا، لا يتعارض مع الالتزام الذي لا تكفُّ إدارة أوباما عن تأكيده، حيال أمن إسرائيل، ولكنها رسائل تستهدف الحكومة، في إسرائيل، لا الدولة، وترمي إلى إفهام الشعب الإسرائيلي وقواه المؤثرة، أن الاستمرار في هذه السياسة، سيضر بعلاقات إسرائيل الإقليمية، كما أضر بعلاقتها الدولية، وحتى الأمريكية، دون أن يصل إلى عمق العلاقة الاستراتيجية بين الدولتين.

وسواء أكان الموقف الأمريكي غير الرادع لطهران ناتجا عن أولويات تراعيها في الإقليم، التي ما زالت أهدافُها فيه غير ناجزة، كما العراق، أو غير متحققة، كما في أفغانستان، أو كان موقفها ناتجا عن احتياجها إلى توفير الإجماع، في مجلس الأمن، حول العقوبات- وأبرزُ المستهدفين الصين- فإن وتيرة المساعي الأمريكية، والحشد، والتعبئة، لا تبدو على أشُدِّها، وهو أمر قد يتضافر مع جملة الخسائر التي تتسبَّبُ بها حكومة نتنياهو لدولته، على الصعيد الإقليمي، والدولي، حتى بلغ الأمر بمسئولين أمريكيين تجنُّب النفي، فيما يتعلق باحتمال رفع الغطاء عن إسرائيل في مجلس الأمن، إذ قال هذا مصدر دبلوماسي مقرب من الحكومة القطرية لـ laquo;بي بي سيraquo; إن مسئولا أمريكيا رفيعا أبلغ وزير الخارجية القطري الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، بأن الولايات المتحدة تفكر جديا في الامتناع استخدام حق النقض (الفيتو) في حال أجرى مجلس الأمن الدولي تصويتا على بناء وحدات استيطانية إسرائيلية في القدس الشرقية، وإن ذلك، ولو لم يُنفَّذ، يدل على ما يمكن أن تفعِّله إدارةُ أوباما في وجه الإضرار الإسرائيلي بمصالحها، وفقا لأطراف في إدارته.

والظاهر أن أمريكا أدركت أن أكبر المعرقلين للجهود السلمية التي ترعاها هي حكومة نتنياهو، حتى بدأ هذا الرأي يتسرب إلى الرأي العام الأمريكي؛ إذ أظهر استطلاع أجرته منظمة laquo;جاي ستريتraquo; اليهودية أن 71% من اليهود الأمريكيين يؤيدون أن تمارس الولايات المتحدة ضغوطاً على الإسرائيليين والعرب على حد سواء لتحقيق السلام.

منها تواصل إدارة أوباما بحماس:
وليس بعيدا عن هذا الإطار يُفهم التواصل غير المباشر بين إدارة أوباما وحركة حماس، فقد نشرت quot;يديعوت أحرونوتquot; نقلا عن روبرت مالي - الذي تولَّى مناصب رفيعة في إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون- laquo; أن مسؤولين أمريكيين، بعضهم ممن خدم في الإدارات السابقة، بما فيها إدارة جورج بوش، والبعض الآخر يخدم في الإدارة الأمريكية الحالية، التقوا خلال الأشهر القليلة الماضية، بقادة كبار في حركة حماس، وذلك بعلم الإدارة الأمريكية الحالية، ملمحا إلى أن إدارة أوباما تتلقى تفاصيل ما يجري في هذه اللقاءات، الأمر الذي لم تنفه الإدارة الأمريكية التي أكدت- وفقا للصحيفة- تلقيها فحوى الاجتماعات المذكورةraquo;. هذا التواصل لا يخلو من دلالات سلبية، من وجهة النظر الإسرائيلية، وإن كان لا يُرجح أن يصل إلى درجة الحوار المباشر، أو حتى غير المباشر في المدى القريب.

والخلاصة أن إدارة أوباما تتوفر لديها وسائل متعددة للضغط على حكومة نتنياهو، وليس الأمر متوقفا على موقف حازم من طهران، وإن كانت، مع ذلك تواجه صعوبات في رفع درجة الضغوط؛ لكونها لم تبلغ، بعد مرحلة استمالة الكونغرس، ولا تحييد جماعات الضغط، خدمةً لرؤيتها التي ترى أنها تصبُّ في مصلحة إسرائيل، مثلما هي تصب في مصالحها في المنطقة.

[email protected]