قد لا يكون قتل الجيش الإسرائيلي لناشطينَ فلسطينيين بنابلس حدثا عابرا، وهو يأتي في ظرف سياسي محتقن.
صحيح أن إسرائيل اتهمت الناشطين الثلاثة الذين اغتالتهم بالمسؤولية عن مقتل المستوطن الإسرائيلي، قبل أيام، ولكن الطريقة التي تمت فيها، والجهة التي ينتمي إليها المستهدفون قد تكون مبعث قلق يهدد الإنجازات الأمنية التي حققتها حكومة سلام فياض، علما بأن الجهات الفلسطينية الرسمية في محافظة نابلس تؤكد بأن الشبان الثلاثة يعيشون حياة عادية.

فالمستهدفون من كتائب شهداء الأقصى، الجناح العسكري لحركة فتح، وأحدهم حاصل على عفو شامل ضمن الاتفاقية المبرمة بين إسرائيل والسلطة منذ عدة أشهر. وهو ضابط في جهاز الأمن الوقائي بنابلس. والشهود قالوا إن جنود الاحتلال أطلقوا النار بشكل مباشر نحو الجزء العلوي من جسديْ ناشطين من مسافة قريبة جدا أمام عائلتهما، فيما فجّرت منزل الثالث فوق رأسه.

الجيش الإسرائيلي تصرف بهذه الدرجة من القسوة، متذرعا بالرد على عملية قتل المستوطن، وهي العملية التي أعلنت المسؤولية عنها quot;كتائب شهداء الأقصىquot; وquot;الجهاد الإسلاميquot;، وقد نسبت العملية إلى مجموعة فرعية، هي quot;عماد مغنيةquot; فالأمر بحاجة إلى تحقق من حقيقية الجهة التي تقف وراءها، هل كانت عملا فرديا، أم إنها تمثل توجها جديدا في حركة فتح؟

تلك العملية التي جاءت في أثناء نشاط استيطاني لا يتوقف، واعتداءاتٍ للمستوطنين مستفزة، وسياسة تهويدية للقدس متصاعدة؛ الأمر الذي أعاق الجانب الفلسطيني عن استئناف التفاوض، وعزز الأصوات المنادية بالمقاومة، وقد ظل الرئيس الفلسطيني محمود عباس مصرا على منع قيام أية انتفاضة؛ قد تفضي لأعمال عسكرية، واكتفى بشيء من المقاومة الشعبية، كما يجري أسبوعيا في quot; بلعينquot; ونعلينquot;، وقد صرح مؤخرا بأنه لن تكون هناك انتفاضة فلسطينية جديدة، طالما أنه في السلطة، ولكنه حذر بأن الهدوء القائم سيصل إلى نهايته بمجرد أن يتنحى عن منصبه في حزيران القادم.

ولا يخفى أن لإسرائيل مصلحة حالية في التملص من الضغوط الدولية عليها، ومن حراجة مواقفها من العملية السلمية التي لا تخففها كثيرا تلك المواقف quot;التكتيكيةquot; من الاستيطان، وحكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تستشعر هذه التحديات الدولية؛ لذلك حرصت في الأيام القليلة الماضية على تعزيز ائتلافها الحكومي بمحاولة ضم حزب كديما إليها، كما سعت إلى شق صفوفه، ونجحت في استمالة بعض أعضائه في الكنيست إليها، بعد أن أعلنوا انفصالهم عن كديما.

وفي المقابل تقف السلطة الفلسطينية في موقف المحقق للاستحقاقات التي تخصها من quot;خارطة الطريقquot; بعد أن حققت تقدما ملموسا في الأوضاع الأمنية في الضفة، لم يستطع كبار الضباط الإسرائيليين إنكاره.

وهذه العملية تسهم في توفير أجواء غير مريحة شعبيا، ووطنيا، لحكومة سلام فياض، وللرئيس محمود عباس؛ إذ هددت quot;كتائب شهداء الأقصىquot;quot; بالرد السريع، وقالت: quot; إن العدو لن يرى منا إلا لغة الدم والنار، وسيخرج له استشهاديونا من كل مكان ليحيلوا ليله إلى نهارquot;. وفي هذا السياق نتذكر أن إسرائيل طالما أحرجت السلطة فيما يتعلق بملف العفو المتعلق بنشطاء الانتفاضة، وعلى رأسهم عناصر quot;كتائب شهداء الأقصىquot;.

بالرغم من توفر دواع لقيام انتفاضة ثالثة إلا أن غياب التعبئة والتحريض والقيادات الميدانية يعوق نهوضها، ولعل إسرائيل تدرك ذلك، وقد مرت ظروف سابقة كان من شأنها الدفع نحو احتجاجات شعبية واسعة، كما كان إبان الحرب على غزة، قبل نحو عام، وكما حدث عندما اقتحمت مجموعات دينية يمينية المسجد الأقصى، في الخامس والعشرين من شهر أكتوبر( تشرين أول) الفائت.

لا يخفى أن توجيه الأحداث، في الضفة الغربية، نحو التصعيد، أو الاحتواء متوقف بالدرجة الأولى، على موقف حركة فتح التي ظلت غير بعيدة عن مواقف السلطة. وهي وإن غلّبت، بعد مؤتمرها السادس، المقاومة السلمية، لكنها لم تستبعد الخيارات النضالية الأخرى.

كما أن إسرائيل المتحكمة في مجريات الحياة اليومية، والمؤثرة الكبرى في الجوانب الأمنية تستطيع خلق أجواء استفزازية، من قبيل إعادة الحواجز، وتكثيفها، واستئناف سياسة الاغتيالات، وغيرها.

هذه العملية التي شهدتها مدينة نابلس، لا شك، ضربةٌ إسرائيلية قاسية، للجهود التي بذلتها حكومة سلام فياض، وقد كانت نابلس التحدي الأكبر الذي استطاعت أجهزة الأمن الفلسطينية أن تخلصها من حالة quot;الفلتان الأمنيquot; كما إنها شهدت مؤخرا نشاطا وانتعاشا اقتصاديا ملموسا؛ فهل ترغب حكومة اليمين،
أو، تنجح، في نقض كل ما بُني؟! وهل تقبل الإدارة الأمريكية، وهي التي رعت، وباشرت، أو تقدر على منع هذا العبث الإسرائيلي الخطر؟

[email protected]