بالرغم من القرار الفلسطيني والعربي باستئناف مفاوضاتٍ غير مباشرة مع إسرائيل؛ فإن ما تورطت فيه الأخيرة من جرائم، وانتهاكات- تعدَّت النطاق الفلسطيني إلى العربي، والدولي، وما تمارسه من احتلال واستيطان- ما زال يضرب في صورة إسرائيل الأخلاقية، ويراكم من دواعي انعطاف عالمي في التعامل معها، مستقبلا.

تداعيات اغتيال المبحوح:
وكان حرج إسرائيل الدولي والإقليمي قد تفاقم بعد اغتيال القيادي في حماس محمود المبحوح، وبقطع النظر عن حجم الأضرار العملية التي ستتسبب بها حادثة الاغتيال، وتداعياتها، من قبيل استخدام جوازات سفر أوروبية مزورة فإن الضرر فادح على سمعة إسرائيل، ومصداقيتها، دوليا، وبين الشعوب الغربية، والرأي العام هناك، وهو أمر لا تستطيع إسرائيل تجاهله، ولا حكومات الغرب، لدى تحديد سياساتها، ومواقفها المستقبلية.
أصحاب القرار في إسرائيل يعوِّلون على عمق العلاقة التي تربطهم، بدول أوروبا، وأميركا، ويرجح كثير من المحللين الإسرائيليين أن لا تُترجم ردود الفعل الرسمية الغربية، والبريطانية، تحديدا، إلى مواقف عملية، وأنها فقط لامتصاص النقمة، وإرضاء الرأي العام في بلدانهم.


إسرائيل واحتواء التداعيات:
لكن الجهود المكثفة التي بدأت إسرائيل بها لا تشي بطمأنينةٍ في هذا الشأن. فقد ذكرت quot;الإندبندنتquot;: quot;أن إسرائيل بدأت في إرسال عملائها إلى العالم، لكن في مهمة أخرى، وهي محاولة تجميل صورة إسرائيل، لكنها تزامنت مع الإخفاقات التي جاءت مع عملية اغتيال المبحوح، وأن الحكومة الإسرائيلية بدأت حملة علاقات عامة تطلب فيها من مواطنيها أن يكونوا سفراء لبلدهم، أينما ذهبوا، وهي حملة انطلقت الأسبوع الماضي، لكنها لا يمكن أن تكون في وقت أسوأ من هذا، أي بعد فضيحة اغتيال القيادي العسكري في حماس.quot;
العقلية الصهيونية لا ينقصها التعقيد، ولكن قرارات المسؤولين محكومة، بالطبع، بالمتغيرات الدولية، واتجاهات الرأي العام، ولا تستطيع هذه الدولة، على الرغم من نشأتها المترافقة مع الاحتلال، والنزاع، والاعتداء، أن تدير ظهرها لقوة الرأي العام، أو تنساق وراء أطروحات وزرائها المتعالين عن واقعها، وتأزمها الذي تفاقم منذ عملية الرصاص المصبوب في قطاع غزة العام الماضي.

استحواذ الهواجس الأمنية:
هذه العقلية الاحتلالية يتفوق فيها الهاجسُ الأمني، على نحو انفعاليٍّ، ومَرَضيٍّ، على المصالح الأخرى، فقد سبق لها أن أقدمت على محاولة اغتيال خالد مشعل في عمان 1997م، دون أن تتنبه إلى العواقب التي ستتركها تلك العملية، فيما لو نجحت، على العلاقات الجيدة مع الدولة الأردنية.
هذه السياسة الإسرائيلية التي كثفت- في أعقاب حربها على لبنان 2006م، وعلى غزة العام الماضي من نهج الاغتيالات، تعويضا، عن عجزها في تحقيق نتائج كلية وحاسمة- ما زالت تظن أن حملات العلاقات العامة قادرة على إنقاذ صورتها الأخلاقية، حتى لا تغدو في نظر العالم دولة إعدام، وقتل، وتَجاوُزٍ، لسيادة الدول، كما كان مع دولة الإمارات، ومصداقيتها، كما وقع مع بريطانيا، وإيرلندا، وفرنسا، وألمانيا.
وإسرائيل، بذلك، تتجاهل quot;الأخطارquot; المحدقة بإسرائيل، وتتعامل مع بعض النتائج، فهي تحرص على تصفية كل من يشارك، أو شارك في عمل ضد الاحتلال، وجنوده، ولا تلتفت إلى جذر المشكلة المتمثل في الاحتلال نفسه، وممارساته التي تستولد من كل جيل فلسطيني ناقمين على إسرائيل، ومرشحين إلى أن يكونوا كالمبحوح، أو أشد، وأخطر!

هل تحمي إسرائيل يدُها الطائلة؟
تقديرات القادة في إسرائيل، منذ نشأتْ، أن المجازر، والضربات العسكرية البالغةَ التفوق، والدائمةَ التجدد، سوف تعمق في الوعي الفلسطيني والعربي تفوق القوة الإسرائيلية، وقدرتها الطائلة على اصطياد مستهدفيها، بمهارة أسطورية، مهما فعلوا، ومهما ابتعدوا في الزمان والمكان. لكن هذا النهج أثبت عقمه، بل ربما يفضي إلى نتائج عكسية، فبعد أن حاربت إسرائيل المنظمات الفلسطينية المنضوية تحت منظمة التحرير، وكثفت من سياسة الاغتيال تجاه قادتها السياسيين والعسكريين، وحتى المثقفين والمفكرين، وظنت أنها أضعفت القوة النضالية الفلسطينية خرجت لها حركة حماس... ، وفي هذه الأثناء التي تحاول فيها حماس التكيُّف مع الشرعية الدولية، وتبدي اعتذارها عن الأضرار التي لحقت بالمدنيين الإسرائيليين، وتعمل على ضبط فصائل المقاومة في قطاع غزة، تستأنف إسرائيل اغتيال قيادييها؛ فتحرجها، وتستفزها للرد! وفيما تظن إسرائيل أنها تضعف حماس تتململ في قطاع غزة، وعلى نحو أقل، في الضفة الغربية، بعضُ القوى المؤيدة لفكر القاعدة الذاهبة بعيدا، في التشدد والعقائدية، عن حركة حماس، وأطروحاتها التوافقية.

الاحتلال.. فضيحة لا تُستر:
وفي الضفة الغربية لا تخفي حكومة اليمين برئاسة نتنياهو انزعاجها من مشاركة المتضامنين الأجانب في الاحتجاجات المستمرة، ومنذ ست سنوات في بلعين، وأخواتها، على الجدار، ومصادرة الأراضي؛ حتى أصبحت تلك البلدة رمزا مكثفا يعكس جرائم الاحتلال، ويبث صورته، ويفضح قمعه، في مواجهة احتجاجات سلمية مشروعة.

هل يخفف التفاوض من بشاعة الصورة؟
وبعد الموافقة الفلسطينية والعربية على استئناف التفاوض، غير المباشر، ربما يخف الانتقاد الدولي لحكومة نتنياهو مؤقتا، ولكنها، إن لم تغير في عقليتها القائمة على فرض الوقائع والمماطلة وشراء الوقت؛ فإنها مضطرة -بحسب ما حذر إيهود باراك وزير الدفاع- إلى خيارات صعبة. ولأول مرة، يجهر مسؤول رفيع، في مستوى، وزير الدفاع، باحتمال وقوع دولته بين خطرين: quot;الأبارتهايدquot;، أو quot;الدولة الثنائية القوميةquot;، معترفا بأن مسار إسرائيل الجديد مرتبط بحق تقرير المصير الفلسطيني.

وكانت تصريحاته، أو تحذيراته، في مؤتمر هرتسيليا، مؤشرا واضحا، على استشعار الخطر، وتجاوز الأوهام؛ إذ قبل ذلك كان تشبيه الوضع الذي تتسبب به دولة الاحتلال بنظام quot;الأبارتهايدquot; العنصري، مرفوضا، ومستنكرا، حين يرد على ألسنة المناهضين للاحتلال، من الفلسطينيين، ومناصريهم، في العالم، أمَا وقد جهر به وزير الدفاع من على هذا المنبر، دون أن يُجابَه بعاصفة من الاعتراض؛ فهذا تطور له دلالاته.
فمن يعتقد بأن إسرائيل قادرة على المضي في التهرب، والتملص، من quot;استحقاقاتهاquot; مبالِغٌ، وِمثلُه، مَن يرى أنَّ الحملات الإعلامية، أو الرأي العام الدولي، كفيلٌ، وحده، بلجم إسرائيل، أو كفّها عن احتلالها؛ فلا بد- وَفْقا للخيار السلمي- من تضافر الجهود الفلسطينية، أولا، والتوقف عن تشتيت الفرص، بالاتهامات المتبادلة، واستنهاض الموقف العربي المساند، وحشد المزيد من الدعم الدولي، في هذا المناخ العالمي الذي يعمل لغير صالح الاحتلال، وجرائمه التي أصبحت مِلء السمع والبصر.
[email protected]