في معاني عودة العلاقات الأمريكية مع دمشق ما يتصل بالرغبة بتنشيط مسار التفاوض بين سوريا وإسرائيل وتعزيز دور دمشق في المنطقة، ولا سيما لبنان؛ فهل يتعارض هذا مع علاقات دمشق بطهران؟ وهل ثمة رسائل لحكومة نتنياهو المتعنتة؟ صحيح أن العلاقات الأمريكية السورية ما لبثت تتحسن، وكان التوافق الذي تجلى في لبنان، إقليميا، ودوليا، مؤشرا واضحا، على خروج دمشق من عزلتها، وقربها من واشنطن، لكن توقيت عودة السفير الأمريكي إلى دمشق لا يخلو من دلالات محددة.
وفي هذا السياق، اعتبر لاندرو تابلر الكاتب في صحيفة quot;الإندبندنتquot;، ومؤلف كتاب quot;داخل الحرب الأمريكية على سوريا الأسدquot; أن اليد الأمريكية الممدودة لسوريا هي في الوقت نفسه صفعة لإيران.
ومع أن هذا البعد حاضر، في هذا التطور، بما يعنيه من توازن، لا بد واقعٌ، في علاقات دمشق، مع محيطها العربي، ومراعاة سوريا لمتطلبات هذا الدور، في مواقفها، إزاء قضايا تعد إيران طرفا فيها، كما تجلى في الموقف السوري من حرب اليمن مع الحوثيين، مثلا.
ولكن واشنطن، لا تشترط استمرار علاقتها بدمشق، بقطع الأخيرة علاقتها، مع طهران، بل إنها ربما تحاول الإفادة من هذه القناة السورية في إقناع quot;الجمهوريةquot; الإسلامية بمرونة أكبر في ملفها النووي، كما ترتضي هذا الدور من حليفتها، تركيا، ورئيس وزرائها رجب طيب أردوغان.
ومع الدلالات السياسية الأكثر أهمية نتائج أخرى على مستوى التعاون الأمني، فقد ذكرت quot;الوطنquot; السورية أن لقاء الرئيس بشار الأسد بوكيل وزارة الخارجية الأمريكية، للشؤون السياسية، وليم بيرنز تضمن الاتفاق على quot; استئناف الجانبين اتصالاتهما في مجال مكافحة الإرهابquot;.
وعلى صعيد العلاقة السورية الإسرائيلية التي زاد توترها، في الآونة الأخيرة، حتى التلويح بالحرب؛ فإن توقيت تسمية السفير الأمريكي في دمشق ليست عديمة الدلالة والفائدة لصالح سوريا التي بلغ بها التصعيد حد التهديد بأن تغدو طرفا في أي حرب تشنها إسرائيل على لبنان. فهذا الاقتراب الأمريكي العلني، وهذا التكثيف في درجة التعاون بين البلدين لا يساعد، كما هو معلوم، إسرائيل، في توجهاتها العدائية نحو سوريا، ولا يهيىء لشيطنة سوريا، أو حشرها مع إيران، في حمأة الجهود التي تريدها إسرائيل ضد ظهران ومشروعها النووي الذي تعتبره الأخطر عليها، في هذه المرحلة.
صحيح أن واشنطن لا تعلن أنها سوَّت كل الملفات مع دمشق، وأن ثمة تباينا في طريقة التعامل مع بعض القضايا، كسلاح حزب الله، وحركات المقاومة الفلسطينية، وهي قضايا لم تعق التقدم في العلاقة؛ لأن واشنطن تعلم أن دمشق ليست صاحبة النفوذ الأكبر على حزب الله؛ إذا ما قيست بطهران؛ فضلا عن كون الحزب منخرط في التركيبة السياسية اللبنانية، وهو مكوِّن مهم في لبنان الذي اتفقت قواه على أن مسألة سلاح حزب الله تحل بالحوار الداخلي.
أما على مستوى علاقة سوريا بفصائل المقاومة، ولا سيما حماس، فإنه لا دلائل على رفض سوري مبدئي برفض المصالحة، أو رفض الإسهام في إقناع قادة حماس بـ quot;تليينquot; مواقفهم، وقد قطعت قيادة حماس، أشواطا واضحة نحو quot;المرونةquot; وكانت تصريحات خالد مشعل في زيارته الأخيرة إلى موسكو- لصحيفة الحياة- مؤشرا مؤكدا على مواقف الحركة من عملية السلام؛ إذ قال: quot;وموسكو تدرك جيداً أن laquo;حماسraquo; لا تشكل عقبة أمام التسوية، ولا أمام المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية، وأنها حريصة على إنجاح جهود السلام في المنطقة شرط أن يكون سلاماً عادلاً منصفاً ينهي الاحتلال ويعيد الحقوق للشعب الفلسطينيquot;.
وإذا ما قوبل وضع إسرائيل الدولي المتفاقم، ولا سيما في ظل تداعيات اغتيال المبحوح، بوضع سوريا التي تستعيد علاقاتها بواشنطن، والدول الأوروبية المهمة كفرنسا، مثلا، فإن الكفة ترجح لصالح الأخيرة، فوق كون هذه الخطوة الأمريكية تبريدا ضروريا لجبهةٍ، لعل إسرائيل رغبت في مواجهة الضغوط بإشعالها، أو التلويح بها.
[email protected]