بمناسبة تصريح ابن لادن الجديد الذي أكد فيه العلاقة بين أمن أمريكا وأمن فلسطين،يمكن لنا أن نتناول بعض ما يتصل بتنظيم القاعدة وشكل علاقته بفلسطين.
تختلف أولويات تنظيم القاعدة عن أولويات التنظيمات الفلسطينية المقاومة في فلسطين؛ فالأول يعلي من quot;الجهاد العالميquot; وquot;الحاكميةquot; ويعلنها حربا مفتوحة ضد القوى الغربية quot;الصليبيةquot; بينما الفصائل الفلسطينية تحصر عدوها في الاحتلال الإسرائيلي، وحتى quot;الإسلاميةquot; منها، كحماس تحصر عملياتها في جغرافية فلسطين، وتحرص على علاقة جيدة مع نصارى فلسطين، ضمن خطاب وطني فلسطيني، يتشح بوشاح الشعارات الإسلامية.
الأولوية لمقاومة الاحتلال:
امتص الاحتلال الإسرائيلي الطاقة النضالية في فلسطين... فلم يتبقَ لغير هذا العدو كبيرَ حظ؛ فمن أراد النضال، واشتدت به دوافع الثأر كان يتوجه إلى التنظيمات الفلسطينية الفدائية،العاملة ضد إسرائيل. وكانت الخارطة الفكرية قبل الثمانينات لتلك التنظيمات لا تخرج عن الأفكار العلمانية أو الاشتراكية، أو القومية.
التنظيمات الإسلامية وحضورها المتأخر:
ولم تبرز الحركات النضالية ذات الصبغة الإسلامية إلا مع انطلاق الانتفاضة الأولى آواخر عام 1987م بانطلاق حماس, الحركة المنبثقة من رحم تنظيم الإخوان المسلمين. وكانت جماعة الإخوان قبل هذا التاريخ حركة دعوية تربوية تلقى كثيرا من الانتقاد من أنصار فتح والمنظمات الفلسطينية الأخرى بسبب عزوفها عن النضال العسكري، أو حتى الاحتجاجات الشعبية ضد الاحتلال الإسرائيلي في الضفة وقطاع غزة.
ومثلما كان انخراط أفراد الإخوان المسلمين (اندمجوا، أو معظمهم، في حركة حماس) في أعمال الانتفاضة سببا في رفع شعبيتهم إلى مستويات باتت تنافس حركة فتح الرائدة في النضال، والتاريخية في القادة والرموز، فإنه في الوقت نفسه دل على ميل في أوساط الفلسطينيين نحو الإسلام، ولو على نطاق الشعار والعاطفة، أكثر مما هو على مستوى الفكر والعقيدة السياسية.
لماذا نجحت حماس في استقطاب قسم كبير من الشباب الفلسطيني؟
كان من أسرار سحب حماس لمساحة لا بأس بها من بساط فتح عائد إلى ذكاء هذه الحركة وواقعيتها, وتقمصها الشخصية الوطنية, ورفعها الشعارات والرموز الوطنية، فقد كانت في كثير من المناسبات ترفع العَلم الفلسطيني, بالرغم من تذبذبها في هذا الشأن، بدافع الرغبة في اكتساب شيء من التمايز، برفعها علما يحمل طابعا إسلاميا, مرات أخرى، ولكن عامل التوافق كان أقوى من عامل الاختلاف.
كان السر في استقطاب حماس لجموع من الشباب عائدا إلى قدرتها على الائتلاف والاختلاف، ولكن اختلافها كان في كثير من الأحيان جزئيا، وغيرَ جوهري؛ فهي قد قبلت أن تكون حركة فلسطينية بالمقام الأول، وحصرت نضالها في الاحتلال الإسرائيلي على الأرض الفلسطينية. كما إنها قبلت، من حيث المبدأ بالديمقراطية والاحتكام إلى الأغلبية. ولم توجه، قطُّ، إلى الفلسطينيين من غير المسلمين أعمالا عدائية، (وهذا لا يخلُّ بإسلاميتها) وكانت تحاول التقرب من النصارى؛ بوصفهم جزءا من الشعب الفلسطيني.
لقد تخلصت حماس من أي طابع فيه حدَّةٌ، أو تطرف، على المستوى الداخلي, ذلك أسهم في انتقال سلس لجموع من الشباب إليها، حتى إن بعضهم لم يكن من الملتزمين بالشعائر الدينية.
ولعل هذا الوشاح الذي اتشحت به حماس كان يتناسب وطبيعة الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة؛ إذ لا عهد للغالبية العظمى منهم بالفكر السلفي... وليست ثمة في فلسطين قاعدة لـquot;التدين السلفيquot;.
السلفية في فلسطين:
لم يبزغ نجم السلفية إلا في فترة متأخرة، مع بدايات التسعينات من القرن الماضي، وكان نشاطهم يقتصر على الجوانب غير السياسية، كالعبادة، وتدريس الحديث، والعقيدة. ولم تتخذ علاقتهم بالسلطة الفلسطينية، بعد ذلك، مسارا تصادميا، بل على العكس, اعتبر مشايخُ السلفية القائمين على السلطة ولاة أمرٍ لا تجوز مخالفتهم، ما لم يأمروا بمعصية.
شكل العلاقة بين القاعدة وفلسطين:
لا يخفى أن quot;القاعدةquot; انبثقت من رحم quot;السلفيةquot; بل هي تَشُكُّل من تشكلاتها, والتسمية واضحة الدلالة على ذلك: quot; السلفية الجهاديةquot;.
ومع أن فلسطين كانت هي الملهبة لمشاعر الانتقام لدى الكثيرين ممن نفذوا عمليات ذات صلة بتنظيم القاعدة إلا أنها بقيت بعيدة عن التنظيم, وبقي أبناؤها، وحتى مناضلوها غير ذي صلة بها، تنظيميا على الأقل؛ فما الأسباب؟
بالرغم من غياب السلطة المركزية عن فلسطين، أو السلطة التامة السيادة والسيطرة؛ فإن تنظيم القاعدة لم يكوِّن له في الضفة وغزة قاعدة؛ فهل يعود السبب إلى نقصان جديته في ذلك؟ أم أن السبب يكمن في نقصان التجاوب من الشعب الفلسطيني؟
لم تكن إسرائيل من أولى الأهداف التي استهدفتها القاعدة، ولا كانت تشغل من خطاب القاعدة الجزء الأهم. بل كانت مصالح الولايات المتحدة والدول الغربية. ولعل تفجير سفارتي أمريكا في العاصمة الكينية نيروبي والتنزانية دار السلام عام 1998م أن يكون الهجوم الأول للقاعدة.
ولم تلتفت القاعدة إلى فلسطين إلا في فترة لاحقة... حين ربط ابن لادن : أمن أميركا بأمن فلسطين.
وإذا أردنا تلمس التجمعات في غزة والضفة الغربية التي تحتمل تواجدا مؤيدا للقاعدة؛ فإننا نلحظ تفاوتا واضحا لصالح القطاع, فثمة مجموعات هناك لا تخفي إعجابها بالقاعدة, وتبدي استعدادها لمبايعة quot;مشايخها الكبارquot;. وقد طفت تلك المجموعات على السطح, منذ شاركت حماس في الانتخابات التشريعية, في يناير (كانون الثاني) من عام 2005م.
وكأنها وجدت فراغا استطاعت ملأه؛ تولَّد من انفضاض فئات من quot;المتدينينquot; عن حماس؛ بسبب انخراطها في اللعبة الديمقراطية التي يرونها quot;كفريةquot; وبسبب سعيها للتقرب من القوى الغربية, وقبولها بالوحدة الوطنية, وقد كان توقيعها لاتفاق مكة بينها وبين فتح في فبراير(شباط) 2007م سببا جر عليها أشد الانتقاد من الرجل الثاني في القاعدة, أيمن الظواهري. وما تزال حماس عرضة لمزيد من التراجع، بسبب إيقاف المقاومة.
فهل ينبثق تنظيم القاعدة في فلسطين؟
يستبعد ذلك؛ لطبيعة تنظيم القاعدة وأهدافه، فهو عالمي النشاط, وعالمي الأهداف، ولا يناسبه أن يحجِّم نفسه في فلسطين، الواقعة تحت احتلال إسرائيلي مسيطر، ولما كان الاحتلال في الضفة الغربية أكثر تجليا؛ فقد اختفى ذكر القاعدة منها، أو كاد، في وقت سمحت فيه الأوضاع في قطاع غزة, شبه المحرر, بالاقتراب من القاعدة، وإن لم يكن وصل إلى حد التلامس، والارتباط التنظيمي.
وقد أظهرت دراسة حديثة أجراها مركز واشنطن لسياسات الشرق الأدنى أن القاعدة ما تزال ترفض مساعي مجموعات فلسطينية مسلحة للانضمام للتنظيم ومبايعة أسامة بن لادن. وأن السبب في هذا الرفض يعود إلى أن تلك المجموعات لم تثبت حتى الآن ولاءها لقضية quot;الجهاد العالميquot;، ولكن القاعدة- بحسب الدراسة- لربما تنتظر ظهور تنظيم فلسطيني يستطيع إثبات ذاته وولائه عن طريق تنفيذ عملية ناجحة ضد مصلحة غربية؛ ما قد يشكل شهادة تؤهله للانضمام لها.
الخلاصة:
الظاهر أن القاعدة تستفيد من فلسطين، أكثر مما quot;تستفيدهquot; فلسطين من التنظيم، حين توظف الغضب المتصاعد من السياسات الإسرائيلية، والاعتداءات على الفلسطينيين بتعبئة الشباب ضد أمريكا، وهي التي تظهر دعما مطلقا لإسرائيل, الدولة، وإن أظهرت بعض النقد الخجول لبعض سياسات حكومات فيها، كما هي اليمينية الحالية.
وبسبب هذا الارتباط لا ينفك مفكرون أمريكيون وسياسيون ينصحون الإدارة الأمريكية بتعزيز اهتمامها بالنزاع الفلسطيني الإسرائيلي... وغني عن البيان أن استمرار التعثر والإخفاق في عملية السلام لن يكون إيجابيَّ الأثر على القوى quot;المعتدلةquot; ولربما تعاظمت، في ظل ذلك، جماعات، أبعد، في التصلب، من حماس.
[email protected]
التعليقات