تتكرر المحاولات؛ لرفع الحصار عن غزة، وتختلط الأصوات في هذا المشهد المُعلَّق؛ فِلمَ الحصار، في سنته الرابعة؟! في البدء يَحْسُن التذكير بأن الحصار مظهرٌ من مظاهر الاحتلال، ظالم، ولكنه شديد الدلالة على laquo;تضخيم الإنجازاتraquo; والبناء على غير الحقائق؛ ظنَّت حركة حماس أنها حررت قطاع غزة في عام 2005م، وامتلكت القدرة، والسيادة، وآنَ لها أن تحكم، ولذلك خاضت الانتخابات التشريعية، وفازت بأغلبية مطلقة، ولكنها لم تستطع المكابرة؛ فاعترفت بافتقادها إلى laquo;الشرعية الدوليةraquo; وlaquo; الاعتراف الدوليraquo;؛ فهل تقبل بدفع الثمن؟!

حاولت إسرائيل، مغطاةً بقرار أمريكي، إعاقةَ حكومة حماس، وشلَّ حركتها، وإدخالها في دوامة المسئوليات المعيشية الحيوية، لعلها تنضج إلى المستوى المطلوب، وتُصرِّح بالقبول بشروط الرباعية الدولية؛ ولما لمْ تفعل؛ استمر الحصار، وتعثرتْ في غزة أسبابُ الحياة، وانطفأت عنها الأنوار، وضاقت مخارجُها؛ فتعطلت مصالح أبنائها، ولكن إسرائيل ndash;كعادتها- حرصت على استبقاء ما يسد الرَّمق.

وأما حماس فيتقدم عندها هاجسُ laquo;الاعتراف الدوليraquo; وتعتبر صمودها في الحكم دليلا على انتصارها، وكأن الانتصار صار رديفا لحماس؛ إذا تحققتْ تحقق، وإذا تراجعت تراجع!
لقد تراجعت حماس، بالقياس إلى مواقفها هي، وصارت تخطب ودَّ أمريكا، وتبدي مرونة متعلقة بالعملية السلمية، ولا جواب! فالمطلوب أكثر، والإدارة الأمريكية ليست في عجلة من أمرها، وإسرائيل كذلك، بل الأخيرة تستفيد من هذا الوضع الجديد، وهي تنجح في إرجاع الفلسطينيين إلى خطوط خلفية، وتراكم عليهم التحديات، لتنحدر من هدف تحرير ما احتُل من الأرض، إلى المطالبة بإعادة الإعمار، وليتطور الخطاب الفلسطيني من خطاب مقاوِم، يستجمع القواسم المشتركة، ويبلور أرضية موحدة للنضال، إلى خطاب تبريري، يقف الفلسطينيون معه على طرفي نقيض، أحدهما يتشبث بالسلطة، وlaquo;يناضلraquo; مخالفيه الذين لا يوافقونه الرؤية، ولا يرون في السلطة سببا يستحق هذا التحول. في النهج، والمواقف.

لا جَدَل في أن laquo;أسطول الحريةraquo; الناتج عن حركة تضامن دولي ملحوظ، يُراكم حَرَج إسرائيل، ويضعها بين خيارات صعبة، بين السماح لهؤلاء المتضامنين باختراق الحصار، أو منعهم، وقمع حركتهم؛ ما يعني فضيحة إعلامية، وإدانة إنسانية، لكن هذه الاعتبارات لا تبدو مصيرية بالنسبة إلى إسرائيل، وهي ليست عديمة القدرة على التكلم بالاتجاه المضاد، ولو كانت واهنة الحجج، لكنها تملك من القدرات الإعلامية، والعلاقات الدولية الراسخة؛ ما يخفف من حدة أي تصرف مستهجن! وهي بعد ذلك، لا تقيم كبير وزنٍ، حتى للإدانة الإنسانية، حين تراها مُسبَّبة عن تمسكها بـlaquo;مصالحهاraquo; أو اعتباراتها laquo;الأمنيةraquo;.

غزة تدفع الثمن:
تَأزُم وضع غزة، وحصارُها تعبير عن تَأزُم الحلول والمشاريع السلمية، وهو من بعض الأوجه علامةٌ على غياب القدرة على الحسم، دوليا، وإقليميا؛ فلا أمريكا استطاعت أن laquo; تُطوِّعraquo; حماس التي تحظى بنسبة تأييد لا يمكن تجاهلُها، أو القفز عنها، ولا القوى الإقليمية laquo; الداعمةraquo; لحماس، كإيران، وسوريا، وغيرها، نجحت في رفع الحصار عن القطاع الذي تحكمه حماس، فباتت الحركة، ومعها غزة كالمُعلَّقة، فلا هي طالت عنب الشام، ولا بلح اليمن! ولا هي تحررت، ونالت سيادتها على المعابر، والأجواء، ولا هي نالت اعترافا دوليا، يمكنها من لعب دورها في المنطقة.

فما مصير الحصار؟
أغلب الظن أن الحصار مستمر، ما لم تتغير الأوضاع الإقليمية، والإسرائيلية، والفلسطينية، والمعضلة الكبرى هنا إسرائيل التي لا ترى نفسها مضطرة إلى تقديم أية laquo;تنازلاتraquo; في ظل ظروف الضعف الفلسطيني، بالانقسام، واضطراب الرؤية، وقلة الإمكانات، والضعف الأمريكي، المحتاج -إلى حد معين- إلى إسرائيل؛ كي لا تربك الترتيبات الأمريكية، إقليميا؛ بهجوم على إيران، أو فلسطينيا؛ بالتسبب بمزيد من الحرج للسلطة الفلسطينية، على الأرض؛ ما يهدد بقاءها، أو يُوهِن مسوِّغات استمرارها. ويكفيها الاشتراطاتُ والتعقيداتُ التي لا تفتأ حكومة نتنياهو تضيفها، على الصعيد التفاوضي، كتأكيد نتنياهو الأخير على ضرورة الاعتراف بيهودية الدولة، ورفض عودة اللاجئين، واشتراط أن تكون laquo;الدولة الفلسطينيةraquo; الموعودة منزوعةَ السلاح. ويكفيها التلويحُ باستئناف الاستيطان فور انتهاء laquo;مدة التجميدraquo;

وما دامت حماس تُزاوِجُ بين السعي لـ laquo;الاعتراف الدوليraquo; والأمريكي، تحديدا، والتعويل على دورٍ لتركيا: laquo;دولة الخلافةraquo;، كما جاء في خطاب رئيس وزراء حكومة حماس؛ فإن الوضع مفتوح على الانتظار والمراوحة، وما دامت الإدارة الأمريكية، لا تَحْزِب أمرها لحل مرتقب، في ظل حكومة اليمين الإسرائيلية المَيْئوس منها، فلسطينيا، وعربيا؛ فإن غزة تستمر في دفع الثمن، والدلالة علىlaquo;تحرير منقوصraquo;.
[email protected].