حتى تُفهم رسالة رئيس وزراء حكومة حماس إسماعيل هنية إلى الرئيس الأمريكي باراك أوباما، لا بد من استدعاء عدة أمور، لعل من أهمها: الوضع المالي الصعب الذي اعترف قادة حماس به، وكان منهم موسى أبو مرزوق، نائب رئيس المكتب السياسي، للحركة. وهو أمر لم يكن بالإمكان إخفاؤه، بعد عجز حكومة حماس عن الوفاء بمرتبات الموظفين، جزئيا. وترافق ذلك مع اشتداد الرقابة على الأنفاق من الجانب المصري.

ومنها الرغبة الحمساوية في الخروج من العزلة الدولية؛ إذ بالرغم من السفن التي حاولت كسر الحصار، والسفن المتوقع وصولها في الرابع والعشرين من الشهر الحالي؛ فإنها، على فرض نجاحها في تخطي العقبات الإسرائيلية، ليس من شأنها أن تُكسب حماس اعترافا دوليا.

ومن المنطلقات القادرة على تفسير هذه المحاولات الحمساوية المتكررة للتواصل بالإدارة الأمريكية طبيعةُ الحركة غير المنقطعة عن البراغماتية؛ فهي في خطابها السياسي لا تنفي بصفة قاطعة القبول بالمفاوضات مع إسرائيل، وإن كانت لا زالت تصرُّ على رفض شروط الرباعية.

فماذا تعني هذه الرسائل؟
هل هي محاولة لإعادة تسويق الحركة، أمريكيا، بديلا عن منظمة التحرير؟
علما بأن الرسالة لم تخلُ- وفق تصريحات أحمد يوسف، وكيل وزارة خارجية حماس- من إعادة عرض مواقف حماس المتضمنة قبولا بالدولة الفلسطينية في حدود الرابع من حزيران.
أم هي خطوة على طريق الاستجداء؟
بالرغم من نفي ممثل حماس في لبنان، أسامة حمدان، لهذا المعنى، علما بأنه لا جديد يسوِّغ مثل هذه الرسالة، وقد سبق لحماس أن أرسلت لأوباما مثل تلك المضامين، وهو، بالتأكيد، يعلمها، خلافا لما تظنه حماس، أو تروِّج له.

فقد تضمنت الرسالة تأكيدا على أهمية حركة حماس، بوصفها التي تمثل الشعب الفلسطيني، الآن، بناء على فوزها في الانتخابات التشريعية الأخيرة؛ ما يعني دعوة إدارة أوباما إلى التحدث مع الحركة، والتعامل مع مشروعها السياسي الذي في واقعه العملي، لا يتعارض، مع حل الدولتين الذي ترتضيه واشنطن.

إن توجُّه حماس إلى أمريكا، في ظرفها (حماس) الحالي الصعب، يدل على إلحاح، يستبطن إقرارا بأهمية نيل الرضا الأمريكي، وهو يضعف موقف الحركة التي لا تكفُّ عن توجيه الانتقادات الحادة للسلطة الفلسطينية؛ على خلفية حرص الأخيرة على التوافق مع الإدارة الأمريكية.

صحيح أن الشوط التي قطعته منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية أبعد من المدى الذي تتدرج فيه حماس، ولكن ثمة مشتركا بينهما، يستبقي التخلي عن المطالبة بكافة التراب الفلسطيني، وفق حجج، وذرائع، وتفسيرات، يختص بها كل طرف. وثمة مشترك آخر باتا يتفقان فيه، وهو تراجع أسباب القوة، بعد استقرار حماس على سلطويتها، مهما كانت الأحوال، في غزة، وبعد ما تبين لإسرائيل، وللأطراف الدولية اهتمام حماس الشديد بضبط الأمن، ومنع الصواريخ التي تكاد تكون الوسيلة المتبقية بيد فصائل المقاومة، وهذا التوافق العام في المهام الأمنية بين الحكومة في غزة، والسلطة في رام ما انفك يفيد الأخيرة، ولا تتوانى عن توظيفه، وتثمينه.

هذا، دون أن ننكر أن حرج السلطة الفلسطينية أكبر من حرج حماس، بعد أن انخرطت في المفاوضات غير المباشرة، مع حكومة نتنياهو التي لم تترك لها سترا، أو فرصة للمواربة؛ حين صرحت، بلا لَبْس، أن الاستيطان في القدس مستمر، ولا تغيير عليه، ولا ضمانات، أو شروط تقيده! حينها جاء الموقف من السلطة على لسان رئيسها، السيد محمود عباس، لـlaquo;الشرق الأوسطraquo;: laquo;هذه مشكلة بينهم (الإسرائيليين) والأميركيين ونترك للأميركيين مهمة حلهاraquo;!!

هل ثمة أمل في تجاوب أوباما؟

وعودا على موضوع علاقة حماس بأمريكا؛ هل من آفاق لها؟
فضلا عن مثول إسرائيل معيقا رئيسا لأية مرونة أمريكية تُجاه حماس؛ ما لم تعلن انسلاخها من جلدها، وتبرُّئِها من مبادئها؛ فإن الوقت لم يحِنْ لاحتواء الحركة، ولو بطريقة غير مباشرة، وذلك ممكن حين تتهيأ المنطقة، وإسرائيل، للحل الشامل، وتدخل سوريا في مفاوضات جِدِّية، وتكفُّ طهران عن التعطيل، أو التوظيف.

وحتى ذلك، نحن في فترة، لا حسم فيها؛ ما لم ترتكب حكومة نتنياهو مغامرة؛ فتهاجم إيران، أو سوريا، أو لبنان، أو غزة، وهو أمر لا داعي له، ولا دافع؛ لأن الأمن من جهة الجنوب والشمال متحققٌ، حاليا، دون حرب، ومن جهة أخرى لا ضغوط أمريكية قوية على نتنياهو تضطره إلى الهروب إلى حرب تخلط الأوراق، أو تصرف الأنظار عن laquo;استحقاقات السلامraquo;.
[email protected]