بعد تشديد العقوبات الدولية على إيران؛ على خلفية ملفها النووي، وبعد التألق الكبير الذي نالته تركيا، يمكننا التساؤل عن الوجهة التي ستغلب على حماس؟
والمسألة ليست تركيا، أم إيران؛ لأن الجمع بينهما ممكن؛ لسبب بسيط، وظاهر، وهو أن العلاقات بين البلدين توافقية، إلى حد ما، وقد شهدت الأيام الأخيرة تطورا ملحوظا، لدى توسط رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، بالإضافة إلى الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، وإنجازهما اتفاق تبادل اليورانيوم.

وتستند العلاقات بين البلدين إلى أسس اقتصادية جيدة، وعلاقات جوار حسنة؛ إذ تسمح تركيا للإيرانيين بالدخول إلى أراضيها دون تأشيرة دخول. وعلى صعيد آخر, يهم تركيا أن لا تقع في صدام مع إيران، وهي صاحبة اليد الطولى في العراق، البلد المجاور، والذي يحتضن مقاتلي حزب العمال الكردستاني. ومع ذلك تنطوي تركيا على مخاوف من امتلاك إيران للسلاح النووي؛ وإن كانت تختلف مع الولايات المتحدة، وغيرها، في كيفية التعاطي مع هذا الملف.

لكن هذا التوافق التركي الإيراني لا ينفي التنافس، وتقاطع الدورين، في المنطقة العربية، وليس من المتوقع، أن يداخل طهران الارتياحُ، والطمأنينة، وهي ترى شعبية تركيا، وأردوغان تطغى على مناطق للنفوذ الإيراني فيها حضور ملحوظ، كما في لبنان، وقطاع غزة، ولذلك سارعت طهران بطريقة لا تخلو من ارتجالية، وتسرع، أو من استعراضيةٍ ظاهرة، سارعت إلى الدخول على خط رفع الحصار، حين اقترحت مرافقة الحرس الثوري الإيراني لسفن فك الحصار، وهو الأمر الذي أعلنت حماس عن رفضه، علنا؛ وهذا مؤشر لا يخلو من دلالة، وهي بصريح الموقف تفضل الطريقة التركية، بطابعها السلمي المدني، على النموذج الإيراني الذي يعزز الذرائع الإسرائيلية، وآخر تجلياتها موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو: الذي رفض، بشدة رفع الحصار البحري المفروض على قطاع غزة قائلا: laquo;إنه لن يسمح بفتح ميناء جديد لإيران في غزةraquo;.

لقد جرَّ تحالف حماس مع إيران عليها كثيرا من الانتقادات، وعرَّضها للحرج، وهي تُحالف دولةً لا تخفي طموحاتها القومية الفارسية، ولا تتورع عن التشييع؛ ما استطاعت إلى ذلك، سبيلا؛ لا رغبة في تشييع السنة، بقدر ما هو توسلٌ بالمذهبية؛ لتحقيق المآرب الخاصة، ولم يكن الاعتراض العربي على حماس بسبب ارتباطها بدولة غير عربية، بقدر ما كانت لطبيعة إيران التدخُّلية، وغير المحترمة، لخصوصيات الدول، فضلا عن احتلالها للجزر الإماراتية، ودعمها للحوثيين، وتطاول أتباعها في لبنان، وغير ذلك.

هذا على صعيد محيط حماس العربي، وأما على الصعيد الدولي؛ فمضارُّ الاقتراب الشديد من إيران، أشد وأنكى؛ إذ ليست طهران بالدولة المرَّحَب بها، عالميا، كما هو الحال مع تركيا الدولة العضو في حلف الناتو، والمرتبطة بعلاقات متميزة مع واشنطن؛ فضلا عن هدوئها المعهود، وحكمتها في السياسة الخارجية، مع الخصوم والأصدقاء.

وفوق هذا فإن تركيا تعرف استقرارا نسبيا، لا تحلم به إيران حاليا، ولا في المدى القريب، كما يشهد الوضع الاقتصادي التركي نموا، يختلف عن وضع إيران التي لا تنعكس اقتصادياتها على معظم مواطنيها، إيجابا؛ وأكبر مؤشر على العدالة المتحققة في تركيا والمفتقدة في إيران شعبية أردوغان الطاغية، حتى إنه استطاع تحجيم العسكر، القوة العريقة في البلاد، وما زال الرئيس الإيراني أحمدي نجاد يعاني حكما قلقا، يتوسل في سبيل البقاء كثيرا من القمع، وغير قليل من الكبت، والتضييق على الحريات.

ولا يقال؛ ما شأن المفاضلة بين البلدين بالوضع الداخلي لكل منهما؛ إذ لا يخفى أن زخم التحركات الديبلوماسية، والدخول في مواجهات سياسية، يفتقر في المحل الأول، إلى قاعدة شعبية متينة، وهو ما يعمل لصالح تركيا؛ بخلاف إيران؛ إذ كان من أبرز دعاوي laquo;الإصلاحيينraquo; ترشيد تدخل بلادهم في الشؤون الإقليمية، على حساب شؤونهم الداخلية.

فهل تُفضِّل حماس تركيا؟
أجرت حماس تطويرا ملحوظا في خطابها السياسي، اعترف به رئيس مكتبها السياسي خالد مشعل في لقاء مع صحيفة الحياة، حتى كادت تعترف بإسرائيل بصريح العبارة، وإنْ أجلت ذلك إلى حين أن يحظى بموافقة غالبية الشعب الفلسطيني في استفتاء في ظل السيادة الفلسطينية، وهذا معنى يفهمه السياسيون، على غير حرفيته، ليكون واضح الدلالة أن حماس لا تعارض اعترافا بإسرائيل من حيث المبدأ، وإن كانت ترجئه، من حيث التنفيذ.

كما صدر عن حماس على لسان خالد مشعل كذلك، إدانة الحركة للإرهاب، وذلك في برنامج مقابلات في تلفزيون laquo;بي بي إسraquo; وهو تلفزيون شبه حكومي، إذ قال- بحسب ما نقلت الشرق الأوسط: laquo; بأنه لا يؤيد العمليات الإرهابية. وتعهد بأنه متى انتهى احتلال الأراضي العربية، وانسحبت إسرائيل إلى حدود 1967، ستنتهي الهجمات.raquo;.
ولا يخفى أن حماس المهتمة بالاعتراف الدولي، والراغبة بفك العزلة، عنها، بما لا يقل عن فك الحصار عن أهل غزة، محتاجة في هذه المرحلة إلى وسيط، أو جسر للعبور، يعزز قبولها في واشنطن التي ترغب حماس في التحاور معها، وتركيا أصلح الأطراف للعب مثل هذا الدور؛ ما دامت تحتفظ بعلاقات جيدة مع الغرب، والولايات المتحدة، وحتى بعلاقات باقية مع إسرائيل.

حماس اليوم ليست حماس الأمس:
يصر قادة حماس على أنهم استمرار للقادة السابقين، أمثال الشيخ أحمد ياسين، والدكتور عبد العزيز الرنتيسي، وأنهم لن يقطعوا مع قادتهم العسكريين، من أمثال صلاح شحادة، ويحيى عياش، ولكن النهج الفعلي للحركة يفترق عن نهج أولئك السابقين، وأيا كانت الذرائع، من اختلاف الظروف، أو عَرَضية هذا التغيير؛ فإن تغيرا حصل على الصعيد الميداني، من المقاومة، المفتوحة الوسائل، إلى تقييدها، ثم نهوض حكومة حماس بدور الضابط لها، ولو وقعت من فصائل أخرى تخالفها الرؤية, والموقف.

وقد يقال: إن غياب أولئك القادة الذي غلب عليهم التشدد، ولا سيما الرنتيسي وسعيد صيام ونزار ريان، وصلاح شحادة, وغيرهم، لا يغير من مبادىء الحركة، وعقيدتها السياسية، ولكن الذي لا يمكن إنكاره أن الأمور لا تسير بالتجريد، وأن للأشخاص المتنفذين، وطبائعهم، التأثيرَ الأكبر في حركةٍ، تقبل بالتغيُّر، والتبدل، وتعتاده، ومن يقول إن حماس في ظل الرنتيسي، هي نفسها حماس، في ظل أحمد يوسف، أو حتى إسماعيل هنية؟!

في ضوء ما سبق؛ فإن حماس مدعوةٌ إلى التقارب من تركيا السُّنِّية، المعتدلة، والمقبولة دوليا وعربيا، على حساب إيران الشيعية، المتعجرفة، وغير المرغوبة دوليا، وعربيا.
[email protected]