الوضع الفلسطيني، الآن، كلُّه مُعلَّق، لكن تطورات داخلية قد تتفاعل، وتأخذ مسارات غير متوقعة. هذا الوضع المقلق ناتج عن فشل جهود السلام، وهو يفتح الباب لإعادة تموضع سياسي داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وتقفز إلى مركز الاهتمام حركةُ حماس، وكيف ستتطور علاقتها بالسلطة، وفتح, وثمة عاملان أساسيان يحكمان هذه العلاقة، الأول: مدى صمود السلطة، وحفاظها على الانضباط، والضبط، والثاني: دور إسرائيل الممسكة بأكثر الخيوط، وأهمها على الأرض.

أما موقف حماس؛ فيبقى محدود التأثير؛ إذا لم يطرأ تغيير على قوة السلطة، ومواقف إسرائيل. دون أن نغفل تأثيرا مهما لها قد يظهر لبعض الوقت، إذا نفذت تلك التهديدات التي أطلقتها جماعات عسكرية موالية لها من غزة، بملاحقة رموز السلطة في أماكن تواجدها.

فهل ستعلن حماس الحرب على السلطة؟
لقد ظلت حماس تتجنب استهداف رموز السلطة، برغم ما لقيه عناصرُها، وقياداتها من ملاحقة، واعتقال، في الضفة الغربية، ولو أنها كانت تلمح إلى إمكانية تغيير هذا النهج، لكن التطور الأخير الذي جاء صريحا، حصل بعد محاكمات السلطة لعناصر من حماس أمام محاكم عسكرية، وإصدار أحكام عالية عليها، وكأنَّه كان القشة التي قصمت ظهر البعير، وهو يمثل استجابة لنداءات تكررت من بعض قواعد حماس طالبت بالرد على ممارسات السلطة ضدهم.

تخوين حماس لسلطة:
كانت حماس، فيما مضى تحافظ على مسافة بين جيش الاحتلال، وأجهزة السلطة الأمنية، لكن صوتها تعالى مؤخرا بتخوين تلك الأجهزة، ولا سيما بعد عملية الخليل الأخيرة التي قتل فيها جيش الاحتلال قياديا من حماس ومرافقا له، إذ laquo; حمَّلت كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية quot;حماسquot;، الاحتلال الصهيوني، وسلطة فتح في رام الله المسئولية المشتركة عن جريمة اغتيال الشهيدين نشأت الكرمي ومأمون النتشةraquo;. وأظهرت موقفا مماثلا في شهر أيلول الماضي، عندما اغتالت إسرائيل القيادي الحمساوي إياد شلباية، في طولكرم.

ولكن الجدير بالانتباه أن هذا التهديد لم يرتقِ إلى أن يكون الموقف الرسمي لحماس، إذ لا تخفى انعكاساتُه الخطيرة على الوضع الفلسطيني، وعلى حماس في الضفة الغربية؛ لأن دوافع السلطة لشنِّ حرب استئصال على حماس ستغدو أقوى، وما زالت ثمة جهود للمصالحة تبذل، ولو أنها ضعيفة الأمل، فضلا عن كون حماس وقواها العسكرية قد تضعضعت في الضفة الغربية، بعد الجهود التي بذلتها أجهزة السلطة الأمنية، والوضع الميداني في الضفة الغربية أكثر تعقيدا، وأقل تأتِّيا لحماس، بسبب السيطرة العسكرية الإسرائيلية.

فما الموقف الإسرائيلي؟
ومن هنا يبرز أهمية الطرف الإسرائيلي الذي لا يبدو معنيا بأية اضطرابات وفوضى في الضفة الغربية، وقد كانت زيارة جابي أشكنازي رئيس الأركان لـ laquo;بيت لحمraquo; مؤشرا واضحا على مدى الاهتمام الإسرائيلي باستبقاء تلك المنجزات التي بلغتها أجهزة السلطة الأمنية، ولم يمنع توقُّفُ التفاوض بين السلطة وحكومة نتنياهو من إجراء تلك الزيارة التفقدية المباشرة التي حظيت باهتمام مميز من أجهزة السلطة الأمنية؛ ما يدل على استمرار المستويات الأمنية في عملها، بمعزل عن أية تطورات سياسية، مهما عظمت، حتى إنه قد لا يمسها تغيير جوهري، ولو طرأت متغيرات حكومية في إسرائيل، أو في السلطة.

فهل من مصلحة السلطة الدخول في مواجهة عسكرية مع حماس؟
أما السلطة الفلسطينية فهي أبعد ما تكون عن الرغبة في المواجهة العسكرية مع حماس، ولا سيما في هذه المرحلة الحرجة التي تمر بها، وجودا، ومشاريع، وبرامج سياسية.

تقبع السلطة الفلسطينية الآن في ظرف لا تُحسد عليه، وتتردد أنباء عن رغبة محمود عباس في مغادرة موقعه، كرئيس للسلطة، وثمة حديث عن لا جدوى بقاء السلطة في ظل فشل العملية السياسية، وتستمر الضغوط من بعض القوى الفلسطينية، وعلى رأسها حماس على السلطة لوقف التنسيق الأمني مع الاحتلال. وهو ما يستبعد على السلطة قبوله؛ لأنه قد يعني دخولها في مرحلة أشبه ما تكون بمرحلة ياسر عرفات قبيل عملية السور الواقي عام 2002م، ولا مؤشرات على ذلك، ولا يتوقع ذلك، حتى لو غادر أبو مازن موقعه، إلا أن تفلت الأمور من يد السلطة، وهذا ليس سهلا.

أهمية الوقائع الميدانية:
وفي ظل هشاشة هذه الأوضاع فإن الوقائع الميدانية تكتسب أهمية وفاعلية؛ فإذا قررت حماس الرد على عمليات الاغتيال والتصفية التي مارستها إسرائيل مؤخرا، وهو ما أعلنت أنها عازمة عليه، وإذا تمكنت من تنفيذ تهديداتها، ونجحت في قتل مستوطنين، أو جنودا للاحتلال؛ فإن الفرص ستكون أكبر لتداعيات على علاقة السلطة بحماس، كما سيكون ذلك فرصة لإسرائيل، لممارسة المزيد من الإضعاف للسلطة، فيما لو قرر المستوى السياسي في إسرائيل ذلك.

ذلك أن موقف إسرائيل متناقض، فهي في الوقت الذي تبدو فيه راضيةً عن الوضع الأمني الذي حققته أجهزة السلطة الأمنية في الضفة الغربية، فإنها لا تهتم كثيرا في الحرج الذي تسببه للسلطة، وهي تتجاوزها، وتقوم بعمليات في مناطقها، أو وهي تمنع السلطة من فرض سيطرتها الأمنية على ما تبقى من التجمعات الفلسطينية.

ولذلك فإن متطرفين في الحكومة الإسرائيلية قد لا يعبؤون بوضع السلطة، ولا سيما إذا بقيت مصرة على الدولة الفلسطينية بالمقاييس الفلسطينية، لا بالمواصفات الإسرائيلية التي تفرغها من أي معنى. وثمة أخبار عن استعدادات وتدريبات يجريها الجيش الإسرائيلي لاحتمال سيطرة حماس على الضفة الغربية. وحاكى التدريب محاولات من جانب حماس للسيطرة على الضفة الغربية على غرار سيطرة الحركة على قطاع غزة واستئناف العمليات التفجيرية.

ولعل أخطر ما في الحالة الفلسطينية الراهنة هذا الفراغ السياسي الذي لا يَحْتمل أن يطول، والاستفزازات الإسرائيلية المتلاحقة التي تزيد الناس يأسا واحتقانا، ولكن من الضروري أن لا يستحيل ذلك إلى نوع من التفريغ الداخلي، بدلا من الارتقاء إلى مستوى المسئوليات، وإعادة النظر، بعيدا عن الاستلابات الدولية، أو الإقليمية، وبعيدا عن عقلية الثأر، في هذه المرحلة المتأزمة التي لا تدعي حماس، ولا فتح أنها بمعزل عن الوقوع فيها.
[email protected].