تتجدد هذه الأيام الدعوة إلى حل الدولة الواحدة، فلسطينيا، وإسرائيليا، على وقع الصعوبات، والإخفاقات التي تواجه حل الدولتين؛ فهل ترقى هذه الدعوات إلى مستويات جدية؟ أم أنها لا تعدو- ولا سيما من الجانب الفلسطيني- التلويح لحكومة نتنياهو بحل أكثر كرها لها؟

فلسطينيا:
أوردت صحيفة laquo;الحياةraquo; أن الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، أتاح لأحد قادة laquo;تكاملraquo;، وهي المجموعة التي تدعو إلى إقامة دولة واحدة على أرض فلسطين التاريخية،- بعد ما تعتبره laquo;سقوط خيار الدولتينraquo;-أن يشرح للمبعوث الأميركي جورج ميتشل، لمدة ربع ساعة، دوافع هذه الفكرة، ومسوِّغات تبنِّيها، وذلك في زيارته الأخيرة لرام الله.

وتكتسب هذه الفكرة معقوليَّة متزايدة، في ظل الوقائع المتسارعة التي تفرضها حكومة اليمين، ومِنْ قبلها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، على أرض الضفة الغربية، والقدس، أرض الدولة الفلسطينية الموعودة.

إذ بالرغم من كون المساحة المبنية في المستوطنات بالضفة الغربية والقدس تصل إلى واحد في المئة، بحسب تقرير أخير لـlaquo;منظمة بتسيلمraquo; الإسرائيلية، إلا أن مناطق نفوذها تمتد على ما يساوي 42 في المئة من مساحة الضفة، بحسب نفس المنظمة، وبحسب الخبير الفلسطيني في شؤون الاستيطان خليل التوفكجي الذي قدر مساحة البناء في المستوطنات بـ 1.6 في المئة من مساحة الضفة.

ومن يمعن النظر في سياسات إسرائيل الحالية والسابقة، تجاه أراضي الضفة الغربية, ومياهها، يتأكد لديه إصرارُها على الاستيلاء على الضفة العائد إلى المكانة الدينية التي تشغلها في العقلية اليمينية الغالبة، حتى وصلت الأمور إلى قيام جماعات من المستوطنين تتحدى أية قرارات حكومية بإخلاء أية بؤر استيطانية، حتى لو كانت عشوائية، ووصل ذلك إلى حد تحريض الجنود على التمرد على أية قرارات من هذا النوع.

ليست هذه الدعوة جديدة, كما أسلفت، ولكنها تنامت فلسطينيا، وعلى المستوى الرسمي، بعد أن أصبحت laquo;القيادة الفلسطينيةraquo; أكثر يأسا من إدارة أوباما، وقدراتها على الضغط؛ لإنجاح حل الدولتين، لكن الغالب أن هذه التوجهات الفلسطينية لا تعدو أن تكون تلويحا، وإنذارا، لنتنياهو، واليمين الذي عن يمينه، وهي قريبة، في أهدافها، وفي سياقها، من التهديد بحل السلطة؛ إذ ما زالت laquo;القيادة الفلسطينيةraquo; منخرطة في المسار التفاوضي الساعي إلى حل الدولتين، واستراتيجيتها الحالية قائمة على بناء مؤسسات الدولة، داخليا، والعمل على إقناع أميركا والدول الراعية بأن حكومة إسرائيل هي التي تعيق التوصل إلى اتفاق؛ لدفع الولايات المتحدة إلى فرض الحل، عليها، وهذا مستبعد، وفق الموقف الأميركي المعلن، أو أن لا تستخدم واشنطن حق النقض laquo;الفيتوraquo; بشأن قرار من مجلس الأمن يؤيد إعلان دولة فلسطينية في حدود الرابع من حزيران.

إسرائيليا:
هذا على الجانب الفلسطيني، لكن اللافت ما يجري على الجانب الآخر؛ إذ تتنامى الدعوة إلى حل الدولة الواحدة، في أوساط اليسار، وفي أوساط يمينية، على اختلافٍ بينهما، في الدوافع، وفي مفهوم تلك الدولة الواحدة.

اليسار الإسرائيلي الذي تراجعت قوته كثيرا، يريد هذه الدولة؛ ليخلِّص دولته, من الوقوع في نظام الفصل العنصري، وليخرجها من الوضع غير الأخلاقي المتمثل باحتلال شعب آخر، لهذه المدة التي طالت كثيرا، ولينقذ إسرائيل من الامتعاض الدولي، والعزلة الدولية. ولذلك فإنه يريدها دولة لكل مواطنيها, ديمقراطية، علمانية، ثنائية القومية.

وأما في اليمين الإسرائيلي فقد كان صوت موشيه آرنس - أحد قادة الليكود السابقين، والذي كان الراعي السياسي لرئيس الحكومة الحالي، بنيامين نتنياهو, ووزير الدفاع، ووزير الخارجية الأسبق- أعلى الأصوات التي طرحت هذا الحل، حين قال في مقال له في laquo;هآرتسraquo;:laquo; لا تبدو جدوى المفاوضات مع محمود عباس واعدة. ومن المؤكد أن الرئيس أوباما يفكر خلاف ذلك, ولكن عباس لو كان يتحدث باسم أحد, فإنه بالكاد يتحدث باسم نصف الفلسطينيين. وفرص أن يخرج شيء جيد من هذا, ليست كبيرة. والإمكانية الأخرى هي الأردن. إذا كان الأردن على استعداد لاستيعاب مناطق وسكان آخرين, فهذا أسهل وطبيعي. ولكن الأردن لا يقبل. لذلك فإنني أقول إن بالوسع النظر في خيار آخر. وهو أن تفرض إسرائيل القانون على يهودا والسامرة, وتمنح الجنسية لحوالي مليون ونصف المليون فلسطينيraquo;.

وليس آرنس وحده من يدعو إلى هذا الحل؛ إذ يشاركه فيها عدد من الشخصيات الوازنة، منهم رئيس الكنيست، روبي ريفلين, الذي قال إن laquo;من الأفضل أن يغدو الفلسطينيون مواطنين في الدولة, وليس تقسيم البلادraquo;. وكذلك، عضو الكنيست تسيبي حوتوبلي من الليكود التي دعت علناً إلى تجنيس الفلسطينيين quot;بالتدريجquot;. ولم يكن أوري أليتسور, الذي شغل في الماضي منصب المدير العام لمجلس المستوطنات، ورئيس ديوان نتنياهو في ولايته السابقة, بعيدا عن ذلك حين دعا للبدء بعملية تنتهي laquo;بمنح الفلسطينيين بطاقات هوية زرقاء, ورقم أصفر، وتأمين وطني، وحق التصويت للكنيستraquo;. وغيره من قادة المستوطنين في الضفة الغربية.

ما مدى واقعيته؟
هذا الخيار النابت من رحم اليأس، من حل الدولتين، هو نتيجة التفكير في الخيارات التي لم تبحث، من قبل، بين الأطراف؛ لعله أن يكون المخرج، وهو طبعا ما زال في طور التبلور، والترويج، ولم يُعتمد على الصعيد الرسمي الإسرائيلي، ولم يحظَ بموافقة الإدارة الأميركية، ولا اكتسب أرضية مقبولة عربيا، وإقليميا...

ولا تزال تعيقه فوق العوائق السياسية، معيقات ثقافية، وقومية، ووطنية، وتحوطه مخاوف من الطرفين؛ الإسرائيلي الذي يخشى على طبيعة الدولة اليهودية، ووظيفتها، بوصفها دولة للأقلية اليهودية في المنطقة، والفلسطيني الذي يخشى أن يغدو هذا الحل نوعا من التصفية للكيانية الفلسطينية، وللقضية، بعد أن يكون هذا هو الحل النهائي؛ ثم يقع الفلسطينيون تحت وصف الأقلية التي تظل عرضة للانتقاص من حقوقها، بعد أن يصبح شأنهم داخليا، بلا حقوق سياسية، أو امتداد عربي، أو إسلامي.
[email protected]