فيما تدور أعينُ السلطة الفلسطينية بحثا عن مخرج من هذا الوضع الذي يهدد معنى بقائها، تجد في حوار المصالحة مع حماس ورقة مهمة للتخفيف من حدة مأزقها. وفيما تستمر حماس في حكم غزة، وفي صلب تطلعاتها الاعترافُ الدولي، تتلقفُ هي الأخرى ورقة الحوار؛ للاقتراب من ذلك، ولكي لا تظهر بمظهر المعطل لتلك المصالحة، فلسطينيا.
فيما يتفاءل قسم من الفلسطينيين، بعد التصريحات عن التوصل إلى حلول للقسم الأكبر من نقاط الخلاف.
للوهلة الأولى ليس ثمة وقت تمس فيه الحاجة إلى المصالحة مثلُ هذا الوقت الذي يتضاءل فيه الأمل على رهانات الحل مع حكومة نتنياهو التي لم تفلح إدارةُ أوباما في تليين مواقفها، وأغلبية مجلس النواب معها؛ فكيف تفعل، وقد سيطر الجمهوريون عليه، وهم المعروفون بتأييد أكبر للحكومة الإسرائيلية اليمينية؟! وفيما تزداد حكومة نتنياهو الأكثر استقرار تعاليا، على الصعيد الدولي، حتى إنها هددت بريطانيا بوقفlaquo; التعاون الاستراتيجيraquo; معها، إن هي لم تعدل القوانين التي تسمح بمحاكمة قادة إسرائيليين على أراضيها؛ فما كان من لندن إلا أن وعدت بتغيير تلك القوانين، لتعود، بعدها إسرائيل، إلى الرضى. وليكشف ذلك عن سؤال بات أكثر ترددا يتعلق بأهمية الاعتبارات القانونية، في بريطانيا، والغرب، أمام الاعتبارات السياسية والمصلحية.


الملف الأمني ما يزال عالقا ويبقى:
الحوارات التي عقدت في دمشق توصلت إلى laquo;مخارجraquo; لمعظم القضايا الخلافية، ومنها الانتخابات التي اتُفق على إجرائها بعد مرور سنة على توقيع اتفاق المصالحة. وكانت فتح تريد إجراء الانتخابات خلال بضعة أشهر. كما جرى التفاهم بين الطرفين في شأن موضوع منظمة التحرير الفلسطينية، إذ قبلت فتح مطلب حماس تشكيل اللجنة المؤقتة إلى حين إحياء المنظمة وفق اتفاق القاهرة لعام 2005م. وأن تكون قراراتها ملزمة، وغير قابلة للتعطيل.

وبقي الملف الأمني بانتظار الاتفاق؛ إذ تريد حماسlaquo; إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية، وبنائها على أسس وطنية، تكون حامية للحقوق الفلسطينية، ومدافعة عنها.raquo;، بينما ترفض السلطة رفضا قاطعا إشراك حماس في قيادة الأجهزة الأمنية.
ففي لقاء في الرابع من الشهر الجاري لصحيفة الأنباء الكويتية مع الرئيس محمود عباس، صرح بأن laquo; مشاركة حماس أمنيا مرفوضة، فكل شيء يمكن أن يكون خاضعا للقسمة، المجلس التشريعي، الحكومة إلا الأمن، فلا يمكن إلا أن يكون بيد واحدة، ومرجعية واحدة، وقيادة واحدة. فقصة اقتسام الأمن في غزة والضفة غير مقبولة إطلاقا، وفي حال طرحت حماس ذلك فلن نقبل به أبدا.raquo;

هل تتوفر رغبة دولية في إشراك حماس؟
ثمة أخبار عن تفكير أمريكي وإسرائيلي، بالتعاطي مع حماس، وقبول إشراكها في العملية السياسية، فقد كشف اللواء عدنان الضميري الناطق الرسمي باسم المؤسسة الأمنية الفلسطينية ومفوض عام هيئة التوجيه السياسي الفلسطيني، لوكالة معا عن علم القيادة الفلسطينية بمعلومات دقيقة، ومحددة عن محاولات دول غربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، من أجل إشراك حماس بالعملية السياسية.
كما نقلت جريدة laquo;الجريدةraquo; الكويتية أنباء عن مصادر مطلعة عن لقاء جرى أخيراً بين شخصية إسرائيلية رسمية، وقيادي من حماس في دولة خليجية.

وقال المصدر إن اللقاء تم في سياق الإعداد لإمكان التوصل إلى اعتراف متبادل بين حماس وإسرائيل وتهيئة الأجواء لاتفاقات بين الجانبين، تبدأ بصفقة الإفراج عن الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط الأسير لدى حماس، مشيراً إلى أن هذا التقدم الحاصل على صعيد المباحثات السرية بين الطرفين تمّ بعلم وتشجيع من سورية.
ولكن القيادي في حماس أيمن طه نفى ذلك، مبينا أن حماس ترفض التفاوض مع إسرائيل، علما أن حماس، في موقفها الرسمي لا تغلق باب التفاوض المستقبلي مع إسرائيل، وإن كان قادة كبار فيها صرحوا بأن الحركة لن تتكرر تجارب فاشلة، في تلميح إلى قبول إجرائها وفق أسس وآليات مختلفة عن تلك التي انتهجتها القيادة المتنفذة في منظمة التحرير.
لكن هذا الإشراك لحماس قد يكون أقرب، في شكله التوافقي مع السلطة الفلسطينية وحركة فتح بقيادة عباس، لا بمعزل عنهم، وحتى هذا التغير الدولي من حماس مرهون بتغيير أكبر في مواقف حماس السياسية، نحو الاعتراف الصريح بإسرائيل، ونبذ (الإرهاب) والقبول بما قبلت به منظمة التحرير وفتح من تنسيق أمني مع إسرائيل.

تأثر المصالحة بالعملية السلمية:
ومن الواضح أن المصالحة مع حماس مربوطة بفرص السلطة للخروج من حالة الانسداد التي تعيشها، وتعثر مشروع الدولة الفلسطينية.
ويبدو أنه ما يزال أمام السلطة بعض الأفق ، ومساحة من العمل السياسي والدبلوماسي، ما دام الموقف الأمريكي، على الأقل غير واضح من توجه السلطة إلى مجلس الأمن؛ لنيل اعتراف دولي بالدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران. إذ نقلت جريدة الأيام الفلسطينية الجمعة 5- 11 عن الرئيس عباس أن واشنطن تعهدت له بأنها لن تستخدم الفيتو ضد قرار دولي بهذا الخصوص.
وكانت المندوبة السابقة لإسرائيل في الأمم المتحدة، جبرئيلا شليف، قد صرحت بأن laquo;استخدام أميركي للفيتو (حق النقض) في مجلس الأمن الدولي لمنع قرار الاعتراف بدولة فلسطينية كهذه، ليس مضموناraquo;. ودعت الحكومة الإسرائيلية إلى عدم التفريط في العلاقات الودية الحميمة مع واشنطن.

كما ألمحت إلى ذلك صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية في مقال افتتاحي بعنوان:laquo; يا نتنياهو كفى ألاعيبraquo; حين laquo;حذرت حكومة نتنياهو من مغبة الاستهتار بتهديد الفلسطينيين بالتوجه إلى مجلس الأمن الدولي لمطالبته الاعتراف بالدولة الفلسطينية قائلة: laquo;لا تراهنوا على صبر الجانب الفلسطيني والمجتمع الدوليraquo;.

وقد لا تسمح واشنطن بأن تصل الأمور إلى هذا الحد، وتستأنف ضغطها على نتنياهو، للتوصل إلى حل وسط بشأن التوسع الاستيطاني، وقد نقلت صحيفة laquo;معاريفraquo; الإسرائيلية laquo; أن التقدير الذي يطرحه نتنياهو على وزرائه السبعة الذين يقودون الحكومة في القضايا المصيرية، هو أنه laquo;إذا لم يتحقق تقدم في المحادثات، ستسعى الإدارة، دون صلة بنتائج الانتخابات المرحلية للكونغرس، إلى فرض تسوية دائمة على إسرائيل والفلسطينيينraquo;. فيبقى احتمال فرض الحل قائما، نظريا، وإن كان لا بوادر عليه حتى الآن.

التأثير الدولي أكبر من التوافقات الفلسطينية:
فالظاهر أن انعكاسات المواقف الدولية والإقليمية أكبر تأثيرا على حظوظ المصالحة من المواقف الفلسطينية نفسها؛ لأن كل طرف من الطرفين المعنيين ينظر إلى الخارج أكثر من الداخل، وهذا طبيعي -وفق منطقهم- الذي يتمسك بمشروع السلطة، التي لا تستمر دون غطاء دولي, ودعم إقليمي، أو عربي، وكل هذه الأنواع من الدعم، مرهونة باشتراطات معينة؛ فالمسألة ليس ما يريده الفلسطينيون، وما يتوافقون عليه، وإنما ما يمكن أن يمثل صيغة مرضية من الأطراف المشرفة على هذه المصالحة، والقوى الدولية، وأمريكا تحديدا.

أما العمل على مشروع وطني توافقي، يتنصل من laquo;المنجزات الأمنيةraquo; والمؤسسات التي حققتها حكومة فياض؛ فأمر يتطلب انقلابا على كل المشهد، وهو يحتاج إلى بناء قناعات جديدة في الشعب الفلسطيني الذي باتت شريحة واسعة منه ترتبط مصالحها بالسلطة, والحكومة الفلسطينية بقيادة فياض، وهو يتطلب استعدادا لدى الشعب وقواه بحالة اقتصادية وسياسية تكون مقاربة لتلك التي ألمت بالضفة وغزة عشية حكومة الوحدة الوطنية التي ضمت حماس وفتح.
[email protected]