السلام على المسار الفلسطيني مكتوم الصوت، بالرغم من الجهود المكثفة لإطلاقه، ولو نجحت جهود أميركا في إعادة الطرفين إلى المفاوضات المباشرة؛ فإنها لن تكون أكثر من مشهد تجميلي، وlaquo;أجواء إيجابيةraquo; يراها البعض تهيئةً لضربة أميركية لإيران؛ فيما هي إدارة للأزمة، وملءٌ للفراغ، أو لإنضاج ظروف السلام المأمول.
إسرائيل بحكومتها التي يرأسها نتنياهو لا تكفُّ عن التحذير من الخطر الإيراني، وكانت وضعته في رأس أولوياتها، وبالتَّبَع، لا تكفُّ, كذلك عن التحذير من حلفاء إيران، حزب الله في لبنان، وحماس, والجهاد، في فلسطين. تتهم طهران بتسليح هذه المنظمات وتدريبها، ولكن الورقة الرابحة بيد إسرائيل للتملص من laquo;استحقاقات السلامraquo; هي الملف النووي الإيراني.
بالطبع ليس التهديد الإسرائيلي بضربة عسكرية ضد منشآت إيران النووية هو السبب الوحيد الذي يقف وراء التهاون،- إن لم نقل الضعف- الأميركي تجاه مواقف نتنياهو الرافضة للعودة إلى المفاوضات المباشرة، وفق مرجعيات، وإطار زمني واضح؛ فثمة الانتخابات النصفية للكونغرس، في المنظور, وفي العمق تلك العلاقة الأميركية الخاصة بإسرائيل.
لقد لافتا ذلك التراجع الذي اعترى أوباما، بعد ضغط متواصل أحاط به نتنياهو، حينها اختلفت التحليلات في السبب، هل هو جماعات الضغط التي كبحت ذلك الضغط؟ أم أن ذلك كان نتيجة مساومة ما على الملف النووي الإيراني، تقبل إسرائيل بموجبها بتأجيل ضربة عسكرية لمنشآت إيران النووية، مع فرض عقوبات عليها، مقابل تخفيف الضغط الأميركي على حكومة اليمين.
فهل أفادت إسرائيل من الوضع الصعب الذي تمر فيه إدارة أوباما؛ في ظل أزمة مالية ما زال شبحها ماثلا, وحربين إحداهما أشد من الأخرى، على الجبهة الأفغانية الساخنة، وعلى الساحة العراقية المتأزمة سياسيا، وغير الناجزة, لانسحاب أميركي، أمنيا؟
بالرغم من أن إسرائيل تغامر، مغامرة خطرة؛ إذا ما شنت ضربة عسكرية على منشآت إيران النووية، نظرا لردة الفعل المحتملة، وبالرغم من عدم وجود ضمانات لنجاح تلك الضربة في تحقيق أهدافها؛ نظرا لصعوبات لوجستية وتقنية، ولوضع تلك المنشآت المتفرقة، وشديدة التحصين، ونظرا لكون الضربة لن تمنع طهران، وفق تقديرات الخبراء من استئناف نشاطها النووي بعد خمس سنوات. فإن الولايات المتحدة تبقى هي المتضرر الأكبر من مثل هذا التورط؛ لأنها ملزمة بالدفاع عن إسرائيل، مهما كان موقفها في معادلة الحرب، ولأن المصالح الأميركية في المنطقة, وlaquo;المنجزاتraquo; التي حققتها فيها، ولا سيما العراق، ستكون في مهب العاصفة. فإسرائيل تعرف نفسها، ولا تطمح بمحبة أهل المنطقة، وجل اهتمامها منحصر في الردع، واستباق المخاطر، والاحتفاظ بأكبر قدر من الأراضي التي تحتلها، وإلى أطول زمن ممكن.
لقد كان المفترض، في حكومة نتنياهو, لو كانت تريد السلام، أن تنخرط في الجهود الدولية، والأميركية تحديدا، وأن تقبل بالفرصة التي توفرها المبادرة العربية، لتطبيع علاقاتها بالدول العربية، ومعظم الدول الإسلامية، وحينها، ستشتد عزلة إيران، وربما انحازت سوريا إلى هذا الإجماع، وبانحيازها تنحاز الجماعات الدائرة في فلكها، أو يُهذَّب دورُها.
لكن حكومة نتنياهو تضع العربة أمام الحصان، وتشترط القضاء على قدرات نووية إيرانية مظنونة، للانخراط في أية عملية سلمية جادة , وهي بذلك تسهم في تقوية تلك الجماعات المتحالفة مع طهران، بقدر ما تزيد من ضعف السلطة الفلسطينية, والقوى الداعمة للحل السلمي.
السلطة التي يحاول رئيسها, أبو مازن, جاهدا؛ النزول عن شجرة المطالب التي هي في الواقع التزامات على الطرف الإسرائيلي، نصت عليها خارطة الطريق، وأكدتها الرباعية الدولية في بيانها الذي صدر في 19 مارس آذار الماضي. وقد صرح الرئيس عباس أنه يتعرض لضغوط غير مسبوقة من أجل بدء المفاوضات المباشرة، ويبدو أنه يتجه إلى الموافقة، حتى ونتنياهو يرفض الالتزام بما دعت إليه الرباعية الدولية، وتأكيداتها بضرورة أن تفضي التسوية الدائمة للصراع الإسرائيلي ndash; الفلسطيني، إلى الدولة الفلسطينية في المستقبل على أساس حدود عام 1967م، مع وقف الاستيطان؛ إذ ذكرت مصادر فلسطينية أنlaquo;عباس ربما يوافق على محادثات سلام مباشرة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، خلال أيام شريطة أن يتلقى تأييدا من القوى الكبرى لهذه الخطوة المثيرة للجدلraquo;.
وكذريعة، للتراجع، أو كسبب لحفظ ماء الوجه يكتفي عباس بأن تكرر اللجنة الرباعية الدولية المؤلفة من الولايات المتحدة، والأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وروسيا، بيانها الذي يدعو إسرائيل لوقف الأنشطة الاستيطانية والوصول إلى اتفاق خلال 24 شهرا.
ولا يخفى أن هذا الرجوع الفلسطيني المشفوع بدعوات دولية، تعلن إسرائيل رفضها لها، لا يغري إلا بمزيد من المماطلة الإسرائيلية، والاستمرار في فرض الوقائع الاحتلالية، والتهويدية؛ لأنه لا يعدو كونه دعوة غير ملزمة، هذا الرجوع إلى المفاوضات المباشرة يأتي كذلك في وقت لا تبدو فيه الإدارة الأميركية قادرة، أو راغبة، في الضغط على إسرائيل، أو فرض حلول تتفق والشرعية الدولية، والمشاريع السلمية المطروحة؛ حتى المطلب الفلسطيني الداعي إلى الالتزام ببيان الرباعية, والذي حمله المبعوث الأميركي ميتشل إلى الحكومة الإسرائيلية، لم يحظَ بدعم أميركي، بالرغم من كون واشنطن من أهم دول الرباعية، وهي مشاركة على نحو فاعل في صياغة ذلك البيان؛ لكن ميتشل حرص من خلال هذا الموقف على الظهور بمظهر laquo;الوسيط المحايدraquo; حتى لا يغضب الجانب الإسرائيلي.
إسرائيل التي ترى أن الوقت غير ملائم لتسوية نهائية، والداعية إلى العودة إلى المفاوضات, دونlaquo;شروط مسبقةraquo; من نقطة الصفر، والمستخفة بالطرف الفلسطيني المفاوض ترى في إيران- ظاهريا- أو هكذا توحي- الخطر الأهم في المنطقة؛ لأنها تسعى إلى تدمير إسرائيل، وهذا طبعا على المستوى الشعاراتي، ولا يمثل سياسة رسمية لإيران، ولأنها تدعم جماعات المقاومة, كحزب الله وحماس والجهاد.
ولذلك تطلب من الولايات المتحدة ومن المجتمع الدولي أن يتغاضوا عن احتلالها، ومماطلتها؛ للتصدي للخطر الإيراني الداهم، وكأنها لا ترى السلام جديرا بالتحقق إلا بعد عرك للمنطقة، وفتح لها على آفاق مجهولة، وأوضاع غير مضبوطة.
[email protected].