ليست العلاقة بين سوريا والسعودية مشوشة ومتوترة، كما تبدو بينها وبين مصر؛ بالرغم من اتفاق السعودية ومصر في الملفات المهمة في المنطقة، ومنها الموقف من إيران، وكذلك من المحكمة الدولية المتعلقة باغتيال الرئيس الحريري، ومن ملف المصالحة الفلسطينية؛ فلمَ تختص العلاقة بين مصر وسوريا بهذا التوتر؟ وما طبيعته؟ هل إعلامي؟ أم سياسي، وجوهري؟ وما أسبابه؟

فهل باتت مصر تنافس سوريا على لبنان؟
لا تتوفر دلائل كافية على تحول في الاستراتيجية المصرية تجاه منافسة سوريا في لبنان، أو أخذ دورها، وأما اتهام مصر بتسليح جماعات سنِّية في لبنان فهو لو كان فسيكون لمواجهة المد الإيراني، وهو ما نفاه وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط، في حينه، وبين أنه ليس منهج مصر؛ لأن ذلك سيؤدي إلى تدمير لبنان.

وهذا هو الأقرب إلى منطق الأشياء؛ لأسباب تعود إلى طبيعة مصر، ووسائلها السياسية، ولعوامل جيوسياسية؛ فلا يتوقع من مصر أن تختار هذا الطريق في مجابهة المد الإيراني، وليس من السهل أن تصل بقوة سنِّية إلى المستوى العسكري الذي بلغه حزبُ الله بفضل مرحلة وتوافقات إقليمية تتطلبت ذلك.

والموقف المصري المعلن الذي تعمل على تكريسه هو تقوية مكانة الدولة اللبنانية، لا الدخول في صراع طوائفي داخلي.

إذن، ما أسباب التوتر الجديد؟
فمن الواضح أن الخلاف، والتخوف المصري من سوريا نابع من الاقتراب السوري من إيران والتحالف معها بالرغم من الدور الذي تلعبه الأخيرة في المنطقة، وهنا تختص مصر بدوافع ترتد إلى دورها الإقليمي، ومركزها الذي لم يُشغل؛ فتركيا لم تعد بذلك النشاط السياسي والدبلوماسي المتعلق بالمنطقة، إذ تراجعت بعد حادثة أسطول الحرية، وعادت إلى مزيد من التهذيب.

وثمة سبب آخر ما يزال فاعلا في تعكير الأجواء بين البلدين، وهو ملف المصالحة الفلسطينية الذي ترعاه القاهرة؛ إذ ما تزال هذه المصالحة مستبعدة، فمن مصلحة سوريا استبقاء ورقة المقاومة، ما دام الجولان محتلا، والحكومات الإسرائيلية غير مبادرة إلى الانسحاب منه، والتفاوض الجدي حوله. وقد شكك الرئيس السوري بشار الأسد في مقابلته الأخيرة مع laquo;الحياةraquo; بإمكانية وصول السلطة وحماس إلى حل نهائي، ما دامت التأثيرات الدولية والإقليمية فاعلة، ورأى أن المصالحة تصبح ممكنة عندما تقرر الأطراف كلها الخضوع للمصالح الفلسطينية- الفلسطينية.

وهذا يشي بالفارق الكبير بين ما تريده سوريا، وما تريده مصر؛ فمصر تؤيد السلطة الفلسطينية، ومشروع سلام فياض نحوlaquo; بناء الدولة الفلسطينيةraquo;، وهو المشروع الذي ترعاه الولايات المتحدة، سياسيا، واقتصاديا، وأمنيا.

فلا يزال الخطاب السياسي السوري محكوما بالتحالف مع إيران، ومساعدة حلفائها، وعلى رأسهم حزب الله، ولا يزال شعار المقاومة ضروريا لإكساب النظام السوري شرعية ما، في ظل عجزه عن استرداد الجولان. ويصبح هذا التحالف أكثر إلحاحا بتربع حكومة يمينية في مركز القرار في إسرائيل، وتقلُّص فرص السلام في المنطقة.

فليس مستغربا- نظريا على الأقل- أن تستمر سوريا في تسهيل تسليح حزب الله، ولا مستغربا أن تدعم مواقفه في مواجهة المحكمة الدولية كذلك.

الاتهامات الأمريكية لسوريا، هل هي عودة عن التقارب معها؟
وفي هذا السياق تأتي الاتهامات الأمريكية لسوريا بأنها تهدد الاستقرار في لبنان، وتتدخل بشؤونه الداخلية... ومع ذلك؛ فإن هذا الموقف لم يمنع واشنطن من استمرار سياستها القائمة على التنسيق والتعاون مع سوريا، ولم يكن آخرها مناقشة الرئيس السوري مع عضو مجلس الشيوخ الأميركي السيناتور ارلين سبيكتر العلاقات الثنائية بين البلدين، وتطورات الأوضاع في المنطقة، وفي اللقاء أكد الأسد أن سوريا تقدر رغبة الرئيس الأميركي باراك أوباما بصدد عملية السلام التي تعيقها بحسب وصفه الحكومة الإسرائيلية الحالية.
وكان الرئيس السوري نفى في مقابلته مع laquo;الحياةraquo; أن تكون لديه خيبة من الرئيس الأمريكي أوباما، وعزا تعثر جهوده إلى طبيعة الدولة الأمريكية ومراكز القرار فيها، وقال:laquo; أعتقد بأن أوباما أراد أن يقوم بإنجازات. الآن على مسار السلام، يحاول أن يقوم بشيء، ولكن يبقى الرئيس في أميركا وحده غير قادر على القيام بإنجازات كبرى، عندما لا تكون المؤسسات داعمة له.raquo;
ومثل هذا يقال عن السبب في تأخر تكليف السفير الأمريكي بالعودة إلى دمشق؛ إذ لا يحظى القرار الذي اتخذه الرئيس أوباما بموافقة مجلس الشيوخ.
وحين صعَّدت إسرائيل من اتهاماتها لسوريا بتزويد حزب الله بصواريخ بالستية، لم تُجارِ الإدارةُ الأمريكية إسرائيل في تلك النبرة المهدِّدة، وقالت إنها لا تستطيع أن تثبت ذلك.
فالظاهر أن المواقف الاستراتيجية لم يصلها التغيير، لا في الجانب الأمريكي، ولا المصري، ولا السوري، ولكن حساسية الأوضاع في لبنان، ولا سيما في موضوع المحكمة الدولية، وتداعيات القرار الظني المرتقب ضد أعضاء في حزب الله، والوضع الحرج الذي وصلت إليه السلطة الفلسطينية، بعد توقف المفاوضات، وحاجتها إلى الاستقواء بحماس، وبالحوار معها، والزيارة الأخيرة للرئيس الإيراني أحمدي نجاد، والزخم الذي أحدثه في لبنان، كلُّ ذلك جعل من استمرار المواقف السورية القريبة من إيران أمرا أكثر إزعاجا للسياسة المصرية، والدور الذي تضطلع به، إقليميا.
وبالرغم من كون التصعيد برز بوجهه الإعلامي، وأنه من الطرف المصري، أكثر منه من السوري فإنه ليس بعيدا عن المواقف السياسية؛ لأن المقال الذي نشرته الأهرام المصرية، بقلم رئيس تحريرها أسامة سرايا، مثلا، ينطق بالسياسة المصرية الرسمية.
ومما يؤسف له أن يستمر هذا الانقسام العربي، والقضايا العربية تمر في أدق مراحلها حساسية، وأما السعودية فلِاختلافها عن مصر في الدور، ولتسليمها ملف المصالحة الفلسطينية إلى القاهرة، بعد أن نقض الفلسطينيون اتفاق مكة؛ فإنها تستمر في التنسيق مع سوريا في شأن كبح جماح التوتر اللبناني، وحمايته من الانزلاق إلى الفتنة، وهو الأمر الذي لا ينجح دون التعاون مع سوريا.
[email protected].